الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

ميركل في البيت الأبيض.. الحب القديم لا يصدأ

ميركل في البيت الأبيض.. الحب القديم لا يصدأ

ميركل وبايدن يسعيان إلى ترميم العلاقات الامريكية الالمانية.(أ ب)

يقول المثل الألماني الشهير «الحب القديم لا يصدأ»، والعلاقة التي بدأت بين الولايات المتحدة وألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت دائماً نموذجاً يحتذى في العلاقات الأمريكية الأوروبية التي تغلبت على كل الخلافات والتحديات التي حاولت النيل من تلك العلاقة خلال أكثر من 76 عاماً. ولعل زيارة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، للبيت الأبيض يومي الخميس والجمعة المقبلين خير برهان على ذلك.

وتختلف أجواء الزيارة المرتقبة للمستشارة الألمانية، عن تلك التي سادت ليلة زيارتها السابقة لواشنطن في مارس 2017. وكان استطلاع للرأي أجراه معهد «سيفي» لأبحاث الرأي، لصالح مجموعة «فونكه» الصحفية الألمانية، كشف عشية لقاء ميركل بالرئيس السابق دونالد ترامب، أن أكثر من «ثلثي الألمان» المستطلعة آراؤهم يتوقعون تدهوراً في علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة. كانت الخلافات بين ميركل وترامب علنية، وفشلت اللقاءات المغلقة في علاجها، وبلغ الأمر عدم تصافح الزعيمين في المؤتمر الصحفي الذي أعقب تلك الزيارة.



مؤشرات إيجابية

وخص الرئيس بايدن المستشارة الألمانية بأن تكون أول من يستقبله في البيت الأبيض من زعماء أوروبا، وهي مكانة كانت تحصل عليها بريطانيا العظمى، الأمر الذي يؤكد أن هناك إرادة سياسية للتغلب على الخلافات بين واشنطن وبرلين، بل والالتزام بالتعاون الوثيق لمجابهة عدد من التحديات والعقبات المشتركة، حسب تقدير المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي. فما هي أبرز المشاكل العالقة بين واشنطن وبرلين؟ وكيف يمكن إعادة الزخم والقوة للعلاقات الألمانية الأمريكية التي تضررت في عهد ترامب؟

لا تقتصر الاشارات الودية من بايدن تجاه ميركل على العشاء الفاخر الذي يُجرى إعداده لها مساء الخميس، لكن الرئيس الأمريكي ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير، أعلن عدم تنفيذ قرار ترامب سحب 12 ألف جندي من إجمالي 36 ألف جندي أمريكي يتمركزون في ألمانيا. ويعتبر الألمان قرار بايدن بإبقاء الجنود الأمريكيين أهم القرارات التي تهدف إلى إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح، فطالما كان انتشار الجنود الأمريكيين في القواعد الألمانية، واتخاذ مدينة شتوتغارت مقراً لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا، دليلاً على العلاقة الخاصة بين واشنطن وبرلين.

تجميد العقوبات

واتخذت إدارة بايدن قراراً تعرضت بسببه إلى انتقادات حادة من جانب ترامب والجمهوريين، بل ومن جانب بعض الديمقراطيين، وهو تعليق العقوبات الأمريكية على خط نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا «نورد ستريم 2»، وهو الخط الذي سينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، ويتكلف نحو 11 مليار دولار، بحسب موقع دويتشه فيله، وهو مشروع لا تزال ترى إدارة بايدن أنه يشكل اختراقاً جيوسياسياً روسيا في أوروبا، حسب رأي وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن. لكن البيت الأبيض سمح بمزيد من النقاشات حول مد أنابيب نورد ستريم من روسيا لقلب أوروبا أسفل بحر البلطيق، تحت عنوان أن المشروع بات واقعاً وفق ما قاله بايدن، الذي كان يعارض المشروع في السابق.

ملف «نورد ستريم 2» سيكون في مقدمة الأولويات على طاولة النقاش بين بايدن وميركل التي يقوم تصورها لحل أزمته على عدم الإضرار بأوكرانيا التي تستفيد اقتصادياً من مرور خط الغاز الأول «نورد ستريم 1» من روسيا لألمانيا عبر الأراضي الأوكرانية، وألا تتأثر نسبة الغاز الروسي التي تمر عبر الأراضي الأوكرانية والتي تبلغ أيضاً 55 مليار متر مكعب من الغاز، وهي نفس الكمية التي ستعبر في الخط الجديد. وكشفت ميركل عن هذا التصور عقب لقائها الرئيس بايدن على هامش اجتماع الدول الصناعية السبع الكبرى في 12 يونيو الماضي جنوب غرب إنجلترا.

ولم يتوقف سيل الهدايا السياسية والاقتصادية التي قدمها بايدن لألمانيا خلال أقل من 6 أشهر في منصبه على كل ذلك، بل جاء إعلان ترشيح البيت الأبيض لإيمي جوتمان، رئيسة جامعة بنسلفانيا، كمرشحة للعمل سفيرة للولايات المتحدة في برلين، بمثابة تأكيد جديد من واشنطن على عزمها الكامل لترميم العلاقات الألمانية الأمريكية. وستكون جوتمان حال تثبيت تعيينها من الكونغرس أول امرأة تشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى ألمانيا، بدلاً من السفير ريتشارد غرينيل، الذي ساهمت تصريحاته في عهد ترامب في تراجع مستوى العلاقات الألمانية الأمريكية.

شراكة متبادلة

وفي مقابل مواقف بايدن الإيجابية من ألمانيا تتوقع واشنطن تعاطياً إيجابياً من برلين في الملف القديم الجديد الخاص بزيادة الإنفاق الدفاعي، وهو الالتزام الذي تعهدت به الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو عام 2014 بزيادة إنفاقها العسكري حتى يصل إلى نسبة 2% من الناتج القومي قبل 2024. ورغم أن ألمانيا هي الاقتصاد الأول في أوروبا، إلا أنها لم تصل بعد إلى هذه النسبة، وهو ما كان سبباً كبيراً في الخلاف بين ألمانيا والولايات المتحدة في عهد ترامب، الذي قال إن دولاً اقتصادها أقل مثل إستونيا، وليتوانيا، وسلوفاكيا، واليونان، ورومانيا، وبولندا، وصلت إلى هذه النسبة. لكن تعهد المستشارة ميركل بالعمل على هذا الهدف أثناء قمة حلف الناتو التي عقدت في بروكسل الشهر الماضي، شكل انفراجة كبيرة، خاصة بعد أن أعلنت ميركل أن ألمانيا حققت هدفاً جزئياً بالوصول إلى نسبة 1.56%.

طريق واحد

لا شك أن ألمانيا كانت أكثر الدول التي رحبت بسياسة بايدن التي تقوم على الانفتاح والشراكة والعلاقات متعددة الأطراف، بعد أن تبنى الرئيس ترامب سياسة تقوم على الانكفاء تحت عنوان «أمريكا أولاً»، ولهذا تستعد المستشارة ميركل لطرح رؤيتها لحل قضية الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على منتجات الصلب والألومنيوم المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي، وجمدها مؤقتاً الرئيس بايدن. وتتفق الرؤية الألمانية مع واشنطن بعدم قبول أوكرانيا كعضو في حلف الناتو في الوقت الحالي، كما قال المدير العام للأمن والسياسة الدفاعية بوزارة الدفاع الألمانية، ديتليف فاتشتر.

وهناك فرصة كبيرة للتعاون بين واشنطن وبرلين في مكافحة جائحة كورونا وتوزيع اللقاحات عبر دعم جهود منظمة الصحة، خاصة أن الدولتين تدعمان النهج العلمي في البحث عن أساس فيروس كورونا. وهناك أيضا فرصة للتعاون في قضايا المناخ والتجارة الحرة، فالرئيس بايدن لديه أولوية واضحة، وهي تصفير المشاكل التجارية مع أوروبا لتشكيل «تحالف القيم» والتركيز على الأولوية الأولى وهي المنافسة مع الصين. والطريق إلى ذلك يبدأ من نجاح القمة مع ميركل.