الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أمريكا.. هل أصبح شراء السلاح أسهل من الهامبرغر؟

«كل يوم يطلق النار على 315 شخصاً، يقتل منهم 106 في الولايات المتحدة الأمريكية، هذا وباء ويجب أن يتوقف».. هكذا كشف الرئيس جو بايدن، عن حجم المأساة التي يعيشها الأمريكيون، عقب أحداث إطلاق النار التي وقعت في ساوث كارولينا في إبريل الماضي.

ورغم أن الأمريكيين يشكلون 4.4% من سكان العالم، فإنهم يستحوذون على 42% من الأسلحة التي يمتلكها سكان الأرض، وهذا الأمر كان له تأثير سلبي على الأمن الداخلي للمواطن الأمريكي، خاصة خلال العقود السبعة الأخيرة.

فخلال الفترة من 1966 حتى عام 2012، وقعت على الأراضي الأمريكية 31% من مجموعة حوادث إطلاق النار الجماعي في العالم، وذلك وفق خلاصة دراسة قام بها أدم لانكفورد لمصلحة جامعة ألاباما عام 2015.

وهناك علاقة مباشرة بين اقتناء السلاح وعمليات العنف في المجتمع الأمريكي، بما فيها العنف داخل الأسرة نفسها، ووفق إحصائية نشرتها جامعة إنديانابوليس، فإن كل زيادة بنسبة 10% في معدلات شراء الأسلحة الصغيرة، قابلتها زيادة بنسبة 13% في معدلات ارتكاب جرائم القتل بالأسلحة النارية داخل الأسرة.

فما هي الأسباب التي أدت إلى زيادة اقتناء السلاح، وقادت إلى آلاف من عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة؟ ولماذا دخلت شرائح جديدة من السكان ضمن حائزي السلاح خلال العامين الماضيين؟ وأين مكان المرأة والأقليات والخلافات الحزبية في تلك الأزمة؟

أسرع من شراء الهامبرغر

هناك من ينتقد السرعة والسهولة في الحصول على السلاح في الولايات المتحدة، ومنهم بايدن الذي قال «يمكن لأي شخص سواء كان مجرماً أو إرهابياً، وفي أقل من 30 دقيقة، أن يحصل على سلاح».

وتعد السهولة في الشراء، أحد أهم الأسباب التي أدت لزيادة اقتناء السلاح في الولايات المتحدة، لكن هذا ليس السبب الوحيد، فمنذ عام 2020 ومقتل المواطن جورج فلويد ذي البشرة السمراء، وما أعقبه من توتر عرقي غير مألوف، وتزامن كل ذلك مع جائحة كورونا، كل ذلك أدى إلى تسريع وتيرة شراء السلاح، وهي وجهة نظر يدعمها جون فينبلات رئيس مجموعة مراقبة الأسلحة "كل المدن لأجل سلامة الأسلحة النارية" أو «Every Town For Gun Safety».

إلا أن الزيادة في العام الماضي وصلت لمستويات قياسية، ودخل 20% من الأمريكيين دائرة حائزي السلاح لأول مرة قي حياتهم، ونصف الحائزين الجدد على السلاح كانوا من النساء، بينما شكل السود واللاتينيون 20% من الذين حصلوا على السلاح لأول مرة، وفق صحيفة نيويورك تايمز في 31 مايو الماضي.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن موجات شراء السلاح مستمرة وتتصاعد كل يوم، رغم انتهاء الانتخابات، وتوقف مظاهرات الاحتجاج على مقتل فلويد، بل وتراجع جائحة كورونا عما كانت عليه في العام الماضي، وهذا ما لفتت إليه الباحثة في مجال الأسلحة في جامعة كاليفورنيا غارين وينتموت.

الانقسام الحزبي

ويعد الانقسام بين رؤية الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، حول قضية شراء وامتلاك السلاح، سبباً رئيسياً في خلق مساحات وثغرات كبيرة، في جدار الأمن والسلامة الداخلية الأمريكية، فكثيراً ما تقوم الولايات التي يقودها جمهوريون، مثل تكساس، بإصدار القوانين التي تسهل حمل وشراء السلاح. ومؤخراً أصبحت تكساس الولاية العشرين التي لا تشترط الحصول على ترخيص لامتلاك السلاح، وذلك وفق ما أفاد به الخبير في المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية بالولاية، آن تيجي، كما أجهض القاضي الفيدرالي روجر بينيتيز، توجه بعض الولايات لمنع حيازة البنادق الهجومية (AR-15)، ووصف أي حظر لها بأنه يتعارض مع التعديل الثاني للدستور، بل ووصف البندقية بأنها جيدة للبيت والمعركة.

وكان الرئيس بايدن يراهن على وقف بيع الأسلحة الهجومية، إلا بشروط قاسية، عندما قال «ما حاجة مواطن ليشتري بندقية بها خزان ذخيرة يصل إلى 150 طلقة؟»، وعلى الجانب الآخر، هناك ولايات تحاول فرض مزيد من الضرائب على شراء الذخيرة مثل ولاية إلينوي.

ويعود سبب الخلاف بين رؤية الحزبين لقضية شراء السلاح، إلى اختلاف تفسيرهما للتعديل الثاني من الدستور الأمريكي، الذي يعطي حقاً للمواطنين بحمل السلاح والاحتفاظ به. تم وضع التعديل سنة 1791، ويقول «إن وجود مليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، ولا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة».

وهناك من يضيف أسباباً اجتماعية وسياسية أخرى لانتشار اقتناء السلاح، مثل أستاذة علم السياسة في جامعة ماريلاند ليليانا ماسون، والتي ترى أن «الانهيار في الثقة، وتحطم الواقع المشترك للأمريكيين، أحد أسباب تفشي ظاهرة شراء الأسلحة».

السلاح الخفي

ومن أبرز الخطوات العملية التي يمكن أن تساهم في تقليل شراء السلاح، وارتكاب عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة، الالتزام الأمين بالقرار التنفيذي الذي أصدره بايدن، بعد يوم واحد من حادثة ساوث كارولينا، في 8 أبريل الماضي، حول ما يسمى بالسلاح الخفي، وهي أسلحة محلية الصنع وبدون أرقام مسلسلة، ما يصعب على جهات تنفيذ القانون تعقبها ومعرفة مصدرها، وهو أيضاً ما يسهل على صغار السن والقصّر وأشخاص غير مؤهلين، شراء تلك الأسلحة.

وزاد استخدام السلاح الخفي بوتيرة كبيرة في الجرائم خلال السنوات الماضية، حيث شكل 40% من مجموع الأسلحة التي تتم مصادرتها في لوس أنغليس، وفق مسؤولي الأسلحة النارية الفيدراليين، وتكافح إدارة بايدن لإقناع قادة الكونغرس بتجريم اقتناء السلاح الخفي.

ومنح الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن وزارة العدل الأمريكية 30 يوماً لاقتراح قانون من شأنه أن يساعد في الحد من انتشار "السلاح الخفي".

ومنح بايدن وزارة العدل شهرين لوضع معايير لتصنيف المسدس المستخدم مع دعامة تثبيت، على أنه بندقية قصيرة الماسورة، الأمر الذي يتطلب فحوصات خلفية أكثر صرامة بموجب قانون الأسلحة النارية الوطني.

العلم الأحمر

وطلب بايدن أيضا من وزارة العدل العمل على قانون طموح، سوف يساهم في تقليل شراء السلاح من جانب أشخاص لديهم مشاكل عقلية أو نفسية، وهو الذي يطلق عليه قانون العلم الأحمر، والذي يسمح للمحاكم في الولايات، بمصادرة الأسلحة من أشخاص قد يشكلون خطراً على المجتمع.

كما يمكن للولايات، أن تشتري السلاح وخاصة البنادق الهجومية من المواطنين، لتقليل العنف الجماعي، وهو تحدٍّ ليس سهلاً، لكن هذه التجربة نجحت في نيوزيلندا التي أطلقت حكومتها، حملة تتيح لها إعادة شراء الأسلحة، نصف الآلية القوية، بعد الحادث الإرهابي الذي وقع على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية في مارس 2019. وبدون مثل هذه المبادرات لن يكون غريبا وصف شراء السلاح أسهل لدى الأمريكيين بأنه أسهل من شراء الهامبرغر.