السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

واشنطن وموسكو.. الهجمات السيبرانية بين التحديات والفرص

التحديات دائماً يمكن أن تتحول إلى فرص، ليس فقط في حياة الأشخاص، لكن أيضاً في العلاقات بين الدول بما فيها الدول العظمى، ولهذا قال السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، بعد عودته إلى عمله في واشنطن يونيو الماضي، إن بلاده «تسعى لتحويل الأمن السيبراني إلى ساحة للتعاون مع الولايات المتحدة».

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أبدى في الآونة الأخيرة استعداده للتعاون مع الدول الغربية والاتحاد الأوروبي ضد الهجمات السيبرانية، مؤكداً أن روسيا على استعداد كذلك لمناقشة بنّاءة ومتكافئة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل العمل على تعزيز الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف بشأن الأمن السيبراني، وزاد على كل ذلك بأن موسكو هي التي بادرت واقترحت على الولايات المتحدة مناقشة شاملة حول الأمن المعلوماتي والسيبراني، وفق ما كشفه المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف.

مقترح روسي

لكن ذروة المواقف الروسية نحو منع حرب تكون الهجمات السيبرانية السبب فيها، تجلى في تقدم روسيا بأول مشروع للأمم المتحدة بشأن الهجمات السيبرانية وجرائم الإنترنت، وذلك وفق ما ذكرته الخدمة الصحفية لمكتب المدعي العام الروسي، ومن يقرأ الاقتراح الروسي يرى أنه يتضمن مجموعة من المحاور التي يمكن أن تشكل منصة لإطلاق جهد وتعاون دولي لمحاصرة الهجمات السيبرانية، وتعرية من يقف وراءها، ومن تلك المحاور أن مشروع القرار الروسي يضع إطاراً شاملاً لكل الجرائم السيبرانية، بما فيها الجرائم المتعلقة بالعملات المشفرة، ويزيد من قيمة وأهمية المقترحات الروسية في تحقيق «السلام السيبراني».

مقترحات موسكو تضمنت لأول مرة عناصر جديدة لمجموعة واسعة من الجرائم المرتكبة باستخدام المعلومات والاتصالات، بما فيها قضايا الابتزاز والاستغلال عبر الإنترنت، وكل هذا دفع الأمم المتحدة إلى الحديث عن بدء النقاش حول الأمن السيبراني في مجلس الأمن، وهي خطوة كبيرة جداً نحو تعزيز الثقة في الإنترنت والأمن السيبراني، باعتبار أن مجلس الأمن هو الجهة الأولى في العالم المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين، وفق ما أكدته رئيسة إستونيا، كيرستي كاليولايد، خلال رئاسة بلادها لمجلس الأمن في شهر يونيو الماضي، والتي اعتبرت مناقشة مجلس الأمن والدول العظمى لقانون يحمي الدول من الهجمات السيبرانية بمثابة قانون لحماية «السيادة الوطنية» عندما قالت لقناة «سي إن إن»: «سيادتنا يمكن أن تتعرض لهجمات أيضاً من جانب وسائل سيبرانية».

يتزامن ذلك مع خسارة دول العالم نحو 6 تريليونات دولار سنوياً نتيجة للهجمات السيبرانية، وفق البيانات التي أصدرها الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة في 30 يونيو الماضي، وهو ما دفع 64% من دول العالم إلى تبني استراتيجية وطنية للأمن السيبراني بنهاية عام 2020. فما هي أسباب هذا التحول الكبير في المواقف الدولية نحو الاصطفاف العالمي والأممي في وجه الهجمات السيبرانية؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الجهد الدولي في ظل الاتهامات المتبادلة شبه اليومية بالوقوف وراء هجمات سيبرانية؟

علامة فارقة

يعود سبب هذا التحول الكبير في الموقفين الروسي والأمريكي إلى قمة جنيف، التي جمعت الزعيمين الروسي والأمريكي في 16 يونيو الماضي، فقبل القمة تبادلت واشنطن وموسكو الاتهامات بالضلوع في الهجمات السيبرانية، حيث اتهمت الولايات المتحدة الحكومة الروسية بالوقوف وراء الهجمات السيبرانية على المنشآت والشركات الأمريكية، مثل اتهام شركة الأمن السيبراني الأمريكية «فاير آي» لوكالة الاستخبارات الروسية الخارجية «أس في أر» بالوقوف وراء هجوم ديسمبر الماضي، الذي استهدف 1800 منشأة أمريكية، و تسبب في ضرر بالغ إلى 50 شركة ومؤسسة أمريكية، كما اتهمت وكالة الأمن القومي الأمريكي قبل 10 أيام فقط من قمة بايدن وبوتن، المخابرات العسكرية الروسية بالضلوع في هجمات سيبرانية على الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، تحديدا منذ منتصف عام 2019.

على الجانب الآخر قال الرئيس بوتين إنه تعرض شخصياً لهجوم سيبراني على حوار «الخط الساخن» المتلفز السنوي، وهو اليوم السنوي الذي يتلقى فيه الرئيس الأسئلة من المواطنين بشكل مباشر، وذلك حسبما قال بوتين نفسه في تصريحات إعلامية، وأكده بعد ذلك بيان المتحدث باسم الكرملين.

تعاون مشترك

لكن قمة جنيف في 16 يونيو الماضي وضعت أساساً راسخاً للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في مكافحة الهجمات السيبرانية، حيث شهد التعامل مع هذا الملف تعاطياً أمريكياً وروسياً مختلفاً، فالولايات المتحدة والرئيس بايدن شخصياً لم يتهم روسيا بالوقوف وراء أي هجوم سيبراني منذ منتصف يونيو الماضي، ويبدو أنه على قناعة بأن الرئيس بوتين سيلتزم بتعهداته بعدم استهداف الولايات المتحدة عبر هجمات من روسيا.

ورفض الرئيس بايدن أكثر من مرة الجزم بأن روسيا تقف وراء ما يسمى بـ«هجمات الفدية»، كما أن الإدارة الأمريكية باتت حذره في اتهام روسيا بعد أن قال بوتين إن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للهجمات السيبرانية في العالم، وإن روسيا تضررت من الهجمات السيبرانية مثلها مثل أي دولة، حتى إن موقع وزارة الدفاع الروسية نفسه تعرض لهجوم سيبراني. كل هذا دفع واشنطن وموسكو لإطلاق حوار جاد وآلية لتبادل المعلومات حول الأمن السيبراني، وهي آلية متطورة جداً، وتمكن من إطلاق تبادل معلوماتي وتعاون عميق ومدروس للغاية مع الولايات المتحدة، وفق تقدير نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف.

حوار استراتيجي

رغم اعتقاد البعض في الولايات المتحدة الأمريكية مثل، نائب مساعد المدعي العام الأمريكي، ريتشارد داونينج، بأن غالبية الهجمات السيبرانية على الولايات المتحدة تأتي من روسيا، فإن هناك قناعة متزايدة لدى الغرب بأن الحكومة الروسية غير ضالعة بشكل مباشر في تلك الأعمال، وهذا من شأنه أن يوفر فرصة نادرة للاتفاق على خطوات مشتركة، عندما يناقش وفدا البلدين هذا الملف أثناء جلسات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو، المقرر أن تبدأ في سبتمبر المقبل.