الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

عودة اليسار الوسط إلى الحكم في ألمانيا

عودة اليسار الوسط إلى الحكم في ألمانيا

أولاف شولتس. (إي بي أيه)

كرس فوز الاشتراكيين الديمقراطيين في الانتخابات التشريعية الألمانية نهضة حزب اعتبر قبل وقت قصير في طور الزوال، غير أنه نجح في إخماد خلافاته الداخلية واغتنام تعثر المحافظين في أواخر عهد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

وتشير النتائج الرسمية الصادرة، اليوم الاثنين، إلى فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفارق ضئيل في الانتخابات بحصوله على 25,7% من الأصوات، في مقابل 24,1% لليمين الوسط بزعامة ميركل.

كذلك تمكن أقدم الأحزاب الألمانية خلال هذا «اليوم الانتخابي الكبير» من الاحتفاظ ببلدية العاصمة برلين والحصول على نحو 40% من الأصوات في انتخابات محلية في ميكلمبورغ في شرق البلاد.

وكتبت صحيفة «دير شبيغل»: «الحزب الاشتراكي الديمقراطي يحتفل بنهضته».

وبعد انضمامه إلى 3 حكومات كـ«شريك صغير» للمحافظين، يعتزم الحزب هذه المرة استعادة المستشارية.

وعرف الحزب مرحلة من التراجع إلى أن تدنّت نسبة التأييد له قبل عام إلى أقل من 15% في استطلاعات الرأي، وتوقع له البعض أن يصبح هامشياً تماماً في الحياة السياسية الألمانية.

وقالت سودا ديفيد فيلب، الخبيرة السياسية في مركز «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في برلين: «كان العديد من الخبراء يعتبرونه بحكم المنتهي إلى حدّ ما، وعلى استعداد للانتقال إلى المعارضة لتضميد جراحه».

والحقيقة أن الحزب الذي أنشئ عام 1863 أعطى على مدى عقدين صورة حركة فقدت بوصلتها.

والسبب الأول خلف ذلك يكمن في إرث «حزب العمال» الذي فرض عليه سياسة ليبرالية الوحي قادها المستشار غيرهارد شرودر في مطلع القرن، وتضمنت إصلاحاً لسوق العمل لم يحظَ بتأييد شعبي، حد من البطالة لكنه أضعف في المقابل استقرار الوظائف.

ومع تصاعد الخلافات الداخلية بين الجناحين اليساري والوسطي، وفقدان هويته على مرّ التحالفات مع المحافظين، بدا الحزب في طريقه إلى الزوال.

وتفاقمت أزمته الوجودية مع هزيمته الكبرى في الانتخابات التشريعية عام 2017 حيث لم يحصل سوى على 20% من الأصوات، ثم النكسة التي لحقت به في الانتخابات الأوروبية عام 2019.

ومع انعدام أي خيارات أخرى للحكم، وافق الحزب قبل 3 سنوات ونصف السنة على تجديد مشاركته في ائتلاف ميركل، غير أن هذه التجربة أضعفته وخرج منها منقسماً بشدة.

وتخلص الحزب في فترة قياسية من رئيسين له، قبل أن يُعيِّن عام 2019 على رأسه شخصين مغمورين منبثقين من الجناح اليساري، سعياً لقطع الطريق تحديداً على طموحات الوسطي أولاف شولتس.

لكن الأوضاع انقلبت لاحقاً، وفيما عمدت الحركة إلى التوجه يساراً بحثاً عن خلاصها كما فعل من قبل العماليون في بريطانيا والاشتراكيون في فرنسا، اختار «الرفاق» في نهاية المطاف وزير المال ونائب المستشارة أولاف شولتس الذي اكتسب في هذه الأثناء هالة الإداري المتين.

فالتاريخ أثبت أن الانتخابات في ألمانيا تذهب إلى الوسط. وكسب الحزب رهانه هذا، فيما مني اليسار الراديكالي الألماني بهزيمة ساحقة.

وتعطي نتيجة الانتخابات الألمانية دفعاً إضافياً للتيار الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي وسط الأزمة التي يعيشها. ويتموضع الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتولي الحكم في ألمانيا، بعدما وصل إلى السلطة في السويد والدنمارك وفنلندا وربما النرويج قريباً.

وفي حال تولي شولتس مهام المستشار على الرغم من افتقاره إلى الكاريزما، فسينضم إلى نادي المستشارين الاشتراكيين الديمقراطيين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهم فيلي برانت (1969-1974) واضع سياسة الانفتاح على الشرق، وهلموت شميت (1974-1982) وغيرهارد شرودر (1998-2005).

لكن هل يحافظ الحزب على وحدته؟

فقد يستاء الجناح اليساري من التسويات التي سيضطر شولتس حتماً إلى عقدها مع ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر إن أراد تشكيل حكومة ذات غالبية ينضم إليها الخضر أيضاً.

وعلى سبيل المثال، يعارض الليبراليون الذين يصنفون إلى يمين ميركل، أي زيادة في الضرائب وفرض أي ضرائب على ذوي الدخل المرتفع، في حين أن الاشتراكيين الديمقراطيين دعوا في حملتهم الانتخابية إلى فرض ضريبة على الثروة.