الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

بعد تفوق الخضر والليبراليين.. أحزاب المحافظين في أوروبا إلى أين؟

بعد تفوق الخضر والليبراليين.. أحزاب المحافظين في أوروبا إلى أين؟

أنجيلا ميركل - أب.

لأول مرة منذ عام 2005 وبعد 16 عاماً في الحكم، خسر المحافظون الذين كانت تقودهم المستشارة أنجيلا ميركل الانتخابات في ألمانيا، لصالح الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة أولاف شولتز، كما ترك المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، منصبه منذ أيام، وهو الذي كان عنواناً لانتفاضة المحافظين في النمسا في السنوات الأخيرة، وكان نجاحه في تشكيل الحكومة النمساوية في ديسمبر 2017 وهو في سن 31 أكبر دعم لرؤية المحافظين ليس في النمسا وحدها، بل في كل أوروبا، التي استرد فيها المحافظون خلال السنوات الماضية الكثير من القوة بعودتهم للحكم في بريطانيا، وتشكيل حكومة مجرية بزعامة حزب «فيدس» الذي يقوده المحافظ فيكتور أوربان منذ عام 2010، كما تغلب حزب المحافظين اليونانيين «الديمقراطية الجديدة» بقيادة كيرياكوس ميتسوتاكيس، بفارق كبير على حزب ميرزا اليساري.

وبدأت منذ عام 2019 مؤشرات تراجع المحافظين في أوروبا تظهر يوماً بعد يوم، كان من أحدث مؤشراتها خسارة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا للانتخابات التشريعية الفرعية التي جرت في 18 يونيو هذا العام، في دائرتي تشيشام وأميرشام شمال غرب لندن، وهي أول خسارة للمحافظين لهذا المقعد منذ عام 1974، وفق النتائج الرسمية، ومع خسارة الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب للبيت الأبيض والأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة الأمريكية، وخسارة المحافظين في ألمانيا والنمسا، بات السؤال الذي يطرحه الجميع يدور حول مستقبل المحافظين في أوروبا، وهل تعود الأحزاب الاشتراكية الاجتماعية بالتعاون مع الخضر والليبراليين مرة أخرى، أم أن خسارة المحافظين في ألمانيا والنمسا نكسة مؤقتة تعقبها انتفاضة كبيرة؟

بداية التراجع

التراجع في شعبية أحزاب المحافظين بدأت منذ سنوات، وهو ما تسبب في إعلان المستشارة أنجيلا ميركل أنها لن تترشح لولاية خامسة، لكن تلقي تحالف المحافظين في ألمانيا أكبر هزيمة منذ عام 1950 في الانتخابات الأخيرة هو ما سلط الضوء على المحنة التي تعاني منها الأحزاب التي يطلق عليها «يمين الوسط»، ففي انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في منتصف عام 2019 حصل حزب الشعب في البرلمان الأوروبي الذي يمثل المحافظين في جميع دول الاتحاد الأوروبي على 182 مقعداً فقط، من أصل 766 هم إجمالي عدد الأعضاء، وهي نتيجة أقل بـ42 مقعداً عن النتائج التي حصل عليها في انتخابات 2014، وشهدت انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019 تراجع تحالف الاتحادي المسيحي الديمقراطي الذي يضم الحزب المسيحي الديمقراطي بقيادة ميركل وشريكه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري في تلك الانتخابات، وحصلوا معاً على 28.9% فقط، وفق النتائج الرسمية لانتخابات البرلمان الأوروبي.

استدارة الناخبين

تحول الناخب الأوروبي من دعم الأحزاب المحافظة إلى أحزاب أخرى خاصة الخضر والليبراليين، جاء بسبب رفع بعض أحزاب المحافظين للضرائب بغرض تمويل الخدمات الصحية في ظل جائحة كورونا، كما هي الحال في بريطانيا التي قال آخر استطلاع رأي فيها إن شعبية المحافظين تهاوت إلى 37% فقط بعد أن كانت 44%، وذلك وفق استطلاع رأي جرى لصالح جريدة ديلي تليغراف، قامت بإجرائه شركتا إليكتورال كالكيولس للاستشارات، وفايند-أوت- ناو للأبحاث.

وهاجر بعض الناخبين من الأحزاب المحافظة إلى أحزاب الخضر والليبراليين، ففي الانتخابات الألمانية الأخيرة كان حزب الخضر أكبر الرابحين، حيث حل في المرتبة الثالثة بـ14.8%، وجاء بعده الحزب الديمقراطي الحر «الليبراليين» في المرتبة الرابعة بـ11.5%، وما يؤشر على أن أحزاب الخضر والليبراليين يكسبون أصواتاً كل يوم على حساب المحافظين، أن هذا التحول بدأ منذ أكثر من عامين عندما حصل الخضر على 75 مقعداً في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، وذلك بنسبة نحو 10% من إجمالي عدد مقاعد البرلمان الأوروبي بعد أن كان عدد مقاعدهم 51 مقعداً فقط في انتخابات عام 2014، وفق بيانات مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدم.

النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الألمانية الأخيرة تجبر أي من الحزبين الكبيرين، الاتحادي الديمقراطي، أو الاشتراكي الاجتماعي، على الائتلاف مع حزبي الخضر والليبراليين، وهو ما يعني أن الخضر والليبراليين الألمان سوف يكونون ضمن الحكومة المقبلة، وما يؤكد أن دائرة القبول بالأحزاب الليبرالية تزداد لدى الناخب الأوروبي هو وجود 65 نائباً ليبرالياً في البرلمان الأوروبي، و6 رؤساء حكومات ليبراليين في أوروبا أبرزهم مارك روته في هولندا، وكزافييه بيتيل في لوكسمبورغ، وأندريه بابيش في التشيك، ومايكل مارتن في أيرلندا، وألكسندر دي كرو في بلجيكا، وكايا كالاس في إستونيا.

روشتة للعودة

المؤكد أن أجندة الحزب الديمقراطي الأمريكي، وخاصة الجناح التقدمي والليبرالي لا يمكن أن تكون داعمة للأحزاب المحافظة في أوروبا، وهو ما يفرض على تلك الأحزاب القيام بجملة من الخطوات لاستعادة ثقة الناخب الأوروبي في مقدمتها ضرورة التوازن بين دعمها للتصنيع والشركات، وبين الأجندة الخضراء التي تهتم بالبيئة والكوارث التي تحدث نتيجة للاحتباس الحراري، فاستعادة الشارع السياسي الأوروبي تحتاج إلى تركيز الاهتمام على قضايا البيئة بعد الكوارث التي شهدتها أوروبا هذا الصيف، كما أن هذه الأحزاب المحافظة عليها أن تدرك أن محاولة التخلي عن تموضعها الأصلي والذهاب نحو اليمين المتشدد -كما حاول حزب ميركل- سيكون مآلها الفشل، بالإضافة إلى ضرورة الدفع بالوجوه المقبولة في الشارع، فالإصرار على ترشيح أرمين لاشيت لزعامة تحالف المسيحيين في الانتخابات الألمانية السابقة لم يكن الخيار الأنسب، حيث أشار أكثر من استطلاع إلى تفوق رئيس الحزب المسيحي البافاري، والشريك الأصغر في تحالف ميركل، ماركوس زودر، على أرمين لاشيت على المستوى الوطني، وهو أمر كان يمكن أن يحسن نتائج التحالف الديمقراطي المسيحي.