السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«قمة بايدن وماكرون».. بداية جديدة لأمريكا مع أوروبا

«قمة بايدن وماكرون».. بداية جديدة لأمريكا مع أوروبا

(رويترز)

منذ الإشارات الأولى لفوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، شعر الأوروبيون أنهم يتعاملون مع رجل مختلف في البيت الأبيض، لكنه يمكن أن يكون «غير مريح» في كثير من القضايا، حسب تقدير وسائل الإعلام الألمانية، ورغم الصداقة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأمريكي السابق دونالد ترامب، كان ماكرون أول زعيم أوروبي يرحب بفوز بايدن عبر تغريدة كتبها بالإنجليزية والفرنسية قال فيها: «لدينا الكثير لنقوم به من أجل التغلب على تحديات اليوم... لنعمل معاً».

لكن ما لم يتوقعه ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين أن يحدث الخلاف بهذه السرعة مع بايدن الذي يوصف في أوروبا بأنه أكثر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة لديه خبرة في السياسة الخارجية، وقام بوضع دراسة عن البلقان عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ، كما كان ينوب عن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في حضور «مؤتمر ميونيخ للأمن» الذي يهدف لتعزيز العلاقة بين ضفتي الأطلسي.

عندما ينظر بايدن، ذو الجذور الفرنسية والأيرلندية، في عيني ماكرون، في اللقاء المنتظر بينهما على هامش قمة مجموعة العشرين، الذي تستضيفه العاصمة الإيطالية في 30 أكتوبر الجاري، على بايدن أن يبدد الشكوك التي تراكمت في العلاقة الأوروبية الأمريكية، ليس فقط بسبب تصريحات الرئيس السابق ترامب، بل تبديد الشكوك التي تجذرت وتعمقت مع سياسات ومواقف إدارة بايدن نفسها، فصاحب مقولة «أمريكا عادت» أثار الشكوك في مستقبل علاقة بلاده مع الدول الأوروبية عندما استبعد فرنسا من اتفاق «أوكوس» في 15 سبتمبر الماضي، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الألمانية، هايكو ماس، إلى توقع المزيد من التدهور في العلاقة مع واشنطن، عندما قال: «لم تساورني الشكوك أبداً بأننا لن نواجه مشاكل بعد الآن مع الرئيس الأمريكي الجديد».

ويتبدد بشكل تدريجي التفاؤل الأوروبي بإصلاح بايدن للعلاقات الأوروبية الأمريكية، فمنذ يونيو الماضي خلق بايدن شكوكاً لدى بولندا بمدى التزامه بأمنها، وأزعج الأوروبيين بقرارات أحادية مثل الخروج الفوضوي من أفغانستان دون تنسيق معهم، حسب شبكة «يورو نيوز»، وكل ذلك يدفع إلى السؤال عن قدرة «قمة روما» بين بايدن وماكرون على تضميد الجراح الفرنسية والأوروبية.

خلافات حول روسيا والصين

القراءة المتأنية للموقف الفرنسي والأوروبي تؤكد أنه وحتى قبل صفقة الغواصات، كان هناك خلاف أمريكي فرنسي حول أبرز الملفات الدولية، ومنها العلاقة مع الصين وروسيا، فالاتحاد الأوروبي وبحضور الرئيس ماكرون، توصل إلى اتفاق ضخم حول الاستثمارات مع الصين في 31 ديسمبر الماضي، على عكس الرغبة الأمريكية، كما تتناقض توجهات الاتحاد الأوروبي بصياغة سياسة جديدة تجاه الصين مع التنافس الحاد بين بكين وواشنطن، فالاتحاد الأوروبي وصف الصين في وثيقة السياسة التأسيسية لعام 2019، على أنها «شريك محتمل»، بل و«منافس»، وهو ما يتوافق مع صفقة الاستثمار المتفق عليها في ديسمبر 2019، التي فتحت مجالات ضخمة للتعاون بين أوروبا والصين، وفق ما كتبه مدير المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، آدم توز.

ولا تزال واشنطن تتذكر بمرارة توقيع الصين مع إيطاليا اتفاقية تنضم بموجبها روما إلى مشروع الحزام والطريق الصيني في 24 مارس 2019، ولا تتفق النظرة الأوروبية، وخاصة الفرنسية، مع الرؤية الأمريكية تجاه روسيا، فالرئيس ماكرون يؤيد الحوار والتعاون مع روسيا، وهي سياسة أيدتها المستشارة أنجيلا ميركل أثناء القمة الأوروبية في بروكسل في يونيو الماضي، عندما قالت: «يتعين على الاتحاد الأوروبي الحديث مباشرة مع الرئيس بوتين من أجل محاولة تحسين العلاقات... لا يكفي أن يتحدث الرئيس الأمريكي مع نظيره الروسي. أرحب بهذا جداً».

وتبقى أكثر المؤشرات على عدم توافق الأجندة الأمريكية الأوروبية حول التعامل مع روسيا والصين، هو نتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية هذا العام، والذي قال إن 17% فقط من الأوروبيين يرون روسيا عدواً، و18% يرونها خصماً، و35% يرون أنها شريك ضروري، بينما يرى 12% فقط من الأوروبيين في الصين عدواً، و25% خصماً، و36% شريكاً ضرورياً.

النهج الترامبي

لا شك أن مجرد الاتفاق على عقد قمة بين بايدن وماكرون مؤشر إيجابي على حاجة البلدين لبعضهما البعض، إلا أن اللقاء يأتي في ظل قناعة أوروبية بأن بايدن يحمل نفس الحقيبة والملفات والأفكار التي كان يرددها الرئيس السابق ترامب، ولهذا قال وزير الدولة الألماني للشؤون الأوروبية، مايكل روث «عكس ما كان يعتقد، فإن (أمريكا أولاً) ليس شعاراً ترامبياً محضاً، وإنما سياسة للدولة الأمريكية العميقة، تتفق عليها النخب السياسية الأمريكية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري».

الاعتماد المتبادل

ورغم كل الشكوك والخلافات الفرنسية والأوروبية مع الولايات المتحدة، يظل الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة أفضل رافعة لمواصلة الشراكة الأوروبية الأمريكية، فلا يمكن للرئيس بايدن تشكيل «تحالف القيم» دون أوروبا وخاصة فرنسا، كما أن تحالفات «أوكوس» و«وكواد» لا يمكن أن تكون بديلاً عن أوروبا، ورغم وصف الرئيس ماكرون لحلف الناتو بأنه «ميت إكلينيكياً» إلا أن أوروبا تعتمد على الحلف منذ 7 عقود، حيث تنفق الولايات المتحدة أكثر من 3.6% من ناتجها القومي على الدفاع، بينما الدول الأوروبية بما فيها الغنية مثل ألمانيا، لم تصل نسبة الإنفاق الدفاعي إلى 2%.

وتستفيد أوروبا من التجارة مع الولايات المتحدة، حيث وصل العجز التجاري لصالح أوروبا إلى نحو 178 مليار دولار عام 2019، كما تعد الأسواق الأمريكية في غاية الأهمية للسلع والخدمات الفرنسية والألمانية، ورغم فشل التوصل لاتفاقية تجارة حرة بين أوروبا والولايات المتحدة منذ عهد أوباما، إلا أن الفرصة لا تزال قائمة.

المؤكد أن قمة الرئيس ماكرون مع الرئيس بايدن، واتصال ماكرون لأول مرة برئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، يقول إن أوروبا والولايات المتحدة تسعيان بكل قوة لتجاوز الخلافات ورسم طريق للمضي قدماً للحفاظ على المصالح التي ربطت الجانبين منذ الحرب العالمية الثانية.