السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

بعد «المكاداميا والنودلز»: لمن اليد العليا في قمة واشنطن-بكين؟

بعد «المكاداميا والنودلز»: لمن اليد العليا في قمة واشنطن-بكين؟

الصقر الصيني في مواجهة الحمامة الأمريكية.

علاقاتهما ليست وليدة اللحظة. تعود لسنوات طويلة مضت. عرفا بعضهما البعض لأول مرة وكلاهما في منصب «نائب رئيس». واليوم يلتقي الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأمريكي جو بايدن، في أول لقاء افتراضي لهما، (الاثنين بتوقيت واشنطن) (الثلاثاء بتوقيت بكين)، وسط ترقب لنتائج مباحثاتٍ تأتي وسط خلافات بشأن جملة من الملفات السياسية والاقتصادية.

تعارفا للمرة الأولى خلال رحلات بين الولايات المتحدة والصين، قبل أن يصبحا رئيسي أكبر اقتصادين في العالم. أحدهما وصف الآخر بأنه «صديق قديم»، فيما غضب الثاني من الوصف. تناولا معاً «المكاداميا» في لوس أنجلوس و«النودلز» في بكين، فهل ينعكس ذلك على أي تحسن يذكر في العلاقات؟

صحيفة China Daily الصينية أبدت قدراً من التفاؤل بشأن المباحثات التي اعتبرتها «فرصة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح». وقالت إن هذا الاجتماع سيكون مهماً ليس فقط للعلاقات الثنائية، بل أيضاً الدولية.

عقلية الحرب الباردة

ونقلت عن محللين قولهم إن محاولة الجانبين رأب الصدع في علاقتيهما تأتي لمواجهة التحديات الدولية، لكنها أيضاً تكشف أن «واشنطن وجدت أنها لم تحقق شيئًا من خلال عقلية الحرب الباردة التي دفعتها لانتهاج سياسة قمعية مع الصين» طوال الفترة الماضية.

وبحسب لي هايدونغ، أستاذ الدراسات الأمريكية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، فإن أن أغلب خلافات البلدين تعود إلى «عدم احترام واشنطن سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية، وتدخلها في شؤون الصين في القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان».

وأضاف لي أن «التعاون سيكون صعباً إذا استمرت الولايات المتحدة في إثارة المشاكل بشأن هذه القضايا ولم تتوقف عن التعدي على حقوق الصين ومصالحها».

الأمر نفسه أكده روان زونغ تسه، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد الصين للدراسات الدولية، والذي قال إن الولايات المتحدة «اتبعت سياسة خاطئة مع الصين بسبب سوء تقديرها للعلاقات الثنائية. فانطلاقاً من عقلية الحرب الباردة، قامت بسلسلة إجراءات» أدت إلى تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين.

هدوء وحزم

واستدرك روان «لكن بكين حافظت على هدوئها أمام قمع واشنطن، وفي الوقت نفسه كانت ترد بحزم، ما جعل الولايات المتحدة تعيد النظر في سياستها لتقرر اليوم الانخراط في حوار ثنائي». واستبعد روان أن يتحسن الوضع فجأة عقب المحادثات، لكنه توقع أن يؤدي اللقاء إلى تعزيز التواصل والفهم المتبادل بين الجانبين.

من جانبها، تساءلت صحيفة The South China Morning Post عمن ستكون له اليد العليا في تلك المباحثات. وأجاب على التساؤل روبرت دالي، مدير معهد كيسنجر المتخصص في الشؤون الصينية الأمريكية، معتبراً أنه من غير المرجح أن تكون لأي من الجانبين اليد العليا خلال الاجتماع.

وأضاف «شي عزز مكانته الداخلية في حزبه هذا الأسبوع، لكن تعاطيه مع ملفات شينجيانغ وهونغ كونغ وصورة الصين الداخلية أضرت بمكانته الدولية».

وأوضح دالي أنه فيما يواجه بايدن بلداً منقسماً على نفسه، احتفى به المجتمع الدولي كزعيم عالمي أكثر من شي، وأكثر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ورجح ألا يتعامل أي من الرجلين خلال اللقاء «من موقع قوة». لا يبدو أن بايدن أو شي ينويان ذلك، كلاهما في الغالب «يبحث عن صيغة تقنع الآخر بقبول سياساته، بشروطه الخاصة».

لحظات ودودة

كما أشارت الصحيفة إلى ما وصفتها بـ«اللحظة الودودة في علاقات» البلدين، عام 2012 في لوس أنجلوس، حينما اجتمع نائبا الرئيس – آنذاك - بايدن وشي، ليتخلل اللقاء التقاط الأخير بأريحية حبات مكاداميا مغطاة بالشوكولاتة، دليلاً على حالة الود التي سادت المحادثات. لكن بعد أن أصبح الرجلان رئيسين في بلديهما، ساءت العلاقات على نحو كبير.

وأشارت الصحيفة إلى فارق التوقيت بالنسبة لكليهما، فاللقاء يأتي بعد رحلة بايدن الأوروبية التي أعاد من خلالها التأكيد على قيادة الولايات المتحدة العالمية. في المقابل، فإن الرئيس الصيني، وكان معروفاً فيما قبل بجدول سفره المُتخم، لم يغادر بلاده منذ تفشي الوباء، ومن ثم لم يمارس أي نفوذ دبلوماسي خارجي بشكل شخصي.

كذلك، رصدت الصحيفة فرق توقيت ثانٍ. ففي حين حصل شي مؤخراً على مزيد من تأييد الحزب الشيوعي لحكمه، ما يمهد لولاية ثالثة كزعيم للحزب، يتعرض بايدن بعد 10 شهور فقط من ولايته الأولى لضغوط داخلية في قلب حزبه الديمقراطي.

صقور وحمائم

فارق ثالث يتمثل في أن بايدن يصنف من الحمائم، في حين أن شي عزز مكانته كـ«صقر مغامر»، وفقاً لديميتار جورجيف، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في مدرسة ماكسويل، والذي قال إن وضع بايدن غير مناسب استراتيجياً.

ولفتت الصحيفة إلى أن كثيرين يميلون إلى اعتبار تنازلات الصقور بمثابة صفقات تكتسب مصداقية أكبر من تنازلات الحمائم. «لذا.. تواجه إدارة بايدن وقتا عصيباً ويتعين عليها الحذر في المحادثات كي لا تبدو متساهلة مع الصين أكثر من اللازم».

وبحديث المال، من المزايا التي قد تُحسب لبايدن، انتعاش الاقتصاد الأمريكي، الذي يقول شي ينهونغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين الصينية، إنه قد يمنح بايدن «ميزة هامشية».

وأوضح: «الصين ليست بحالة مالية جيدة». كما أنها لا تتمتع بأدوات مالية أمريكية كتلك التي حصلت عليها الولايات المتحدة من خلال حزم تحفيز بتريليونات الدولارات الأمريكية، فضلاً عن تباطؤ النمو الاقتصادي لبكين.

علاقة معقدة

من جانبها، تحدثت صحيفة The Washington Post الأمريكية عما أسمته «علاقة معقدة» تجمع بايدن (78 عاماً) وشي (68 عاماً). وبينما أتى ذكر المكاداميا في الصحيفة الصينية، تطرقت الصحيفة الأمريكية لواقعة تناول نائبي الرئيسين معاً لوجبة نودلز في بكين عام 2013، حيث تبادلا حواراً معمقاً حول العديد من القضايا، وذلك مقابل العلاقات المضطربة الحالية وهما يستعدان لمباحثات افتراضية جديدة.

آنذاك، وصف شي بايدن بأنه «صديق قديم». لكن بايدن غضب في يونيو الماضي عندما سأله صحفي عما إذا كان سيضغط على صديقه القديم للتعاون مع تحقيق منظمة الصحة العالمية حول أصول فيروس كورونا. ونفى حينها بايدن كونهما أصدقاء، قائلاً: «نحن نعرف بعضنا البعض جيداً. لكننا لسنا أصدقاء قدامى».

ونقلت الصحيفة عن ماثيو جودمان، مستشار سابق لشؤون آسيا بمجلس الأمن القومي، قوله إنه «عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الأمريكية-الصينية، فإن الهوة سحيقة»، والتيار متغير على الدوام إلى حد إشكالي.

ذوبان جليد جزئي

وعلى الرغم من وجود مؤشرات في الآونة الأخيرة على أنه قد يكون هناك «ذوبان جزئي للجليد» بين القوتين، بعد الأشهر التسعة الأولى من إدارة بايدن، إلا أن الصحيفة ذكرت على لسان جودمان أن مسؤولي البيت الأبيض وضعوا سقفاً منخفضاً للتوقعات، «لا إعلان رئيسياً، ولا بيان مشتركاً يبدوان في الأفق».

لكن، وبحسب الصحيفة، يتوقع كبار مسؤولي إدارة بايدن أنه مع اعتزم بكين استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير، فإن هناك ما يدعو بكين للتطلع إلى استقرار علاقاتها مع واشنطن، ولو على مدىً قريب.

في الوقت نفسه، يتطلع بايدن، وفقاً للصحيفة، لإيجاد حالة من التوازن في أحد أكثر الملفات التي تؤرقه، لا سيما وسط مخاوف الجائحة المستمرة والتضخم ومشاكل سلاسل التوريد.