السبت - 12 أكتوبر 2024
السبت - 12 أكتوبر 2024

نادراً ما تتصدر الأخبار.. لماذا تنبغي مراقبة ما يجري في كازاخستان؟

نادراً ما تتصدر الأخبار.. لماذا تنبغي مراقبة ما يجري في كازاخستان؟

(رويترز)

مع اتجاه الجمهورية السوفييتية السابقة بقوة نحو الفوضى، نشرت منظمة «المجلس الأطلنطي» الأمريكية، المعنية بنشر أوراق بحثية سياسية واستراتيجية، تقريراً سعى إلى «فهم ما تعنيه تلك اللحظة» للدولة التي نادراً ما تتصدر واجهة الأحداث العالمية. ووضع التقرير إجابات للسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ينبغي على العالم أن يراقب ما يجري في كازاخستان؟

على الأرض، الوضع في مدن ومناطق كازاخستان «حرج». المتظاهرون استولوا على مطارات ومكاتب حكومية، فيما تشكك تقارير في ولاء الجيش للقوات الحكومية. وذهبت صحف روسية إلى اتهام أيادٍ غربيةٍ خفيةٍ بإطلاق «ثورة ملونة» جديدة في المنطقة.

لم تشهد الدولة الغنية بالنفط في آسيا الوسطى اضطرابات كبيرة كهذه منذ عقود. صحيح أن رفع أسعار الوقود حفز الاحتجاجات غير المسبوقة، لكن ما وراء ذلك «أعمق بكثير».

ونقل التقرير عن ميليندا هارينج، نائبة مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلنطي، وصفها لكازاخستان، الواقعة على مساحة كبيرة تغطي 3 مناطق زمنية، بـ«الدولة الأوتوقراطية» التي تمتعت «إلى حد كبير بالاستقرار منذ انهيار الاتحاد السوفيتي».

تعطل إنتاج و/أو عبور الطاقة

وأضافت أن كازاخستان «دولة مهمة جداً لاقتصادات الدول الأوروبية ثم الآسيوية. فبفضل الاستقرار السياسي طوال الفترات الماضية، تمكنت من أن تصبح دولة رئيسية مصدرة للنفط والغاز الطبيعي والفحم».

كما أن كازاخستان محطة مهمة لعبور الطاقة لدول آسيا الوسطى المجاورة الغنية بالموارد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات الحالية وصلت إلى عمال حقل «تنكيز» النفطي.

وإذا كان الإنتاج في هذا الحقل لم يتأثر حتى اللحظة، إلا أن الأمر جدير بالمتابعة عن كثب، حال توسعت الاحتجاجات وأدت إلى تعطيل إنتاج الطاقة أو تعطيل مرورها، ما سيكون له آثار اقتصادية بالغة ربما تفوق الأهمية السياسية لدولة كازاخستان ككل.

تنشيط المتشددين؟

ربطت هارينج كذلك بين ما يحدث الآن وما جرى سابقاً في قيرغيزستان وأفغانستان، متسائلة «لأي مدى أدى انتصار المتشددين في سقوط أفغانستان إلى تنشيط القوى المتشددة في جميع أنحاء آسيا الوسطى؟».

وقالت «ربما لا ندرك أننا في مرحلة تدشن واقعاً سياسياً جديداً هناك. قد يرفض الجيل الجديد، الذي نشأ في ظل الاستقلال وفي بيئة غارقة في التشدد، قادة قدامى من الحقبة السوفيتية». وأشارت الباحثة إلى مقاطع فيديو لمتظاهرين «يؤدون صلوات جماعية في الهواء الطلق»، قائلة «لم أرَ شيئاً كهذا من قبل في كازاخستان».

ألماتي.. مهد «البيريسترويكا»

من جانبها، أعادت إيما أشفورد، باحثة في مركز «سكوكروفت» للاستراتيجيات والأمن، التذكير بأنه تاريخياً فإن «الأحداث التي فجرت البيريسترويكا السوفيتية خرجت من ألماتي (العاصمة الاقتصادية لكازاخستان)».

كان برنامج الإصلاح الاقتصادي السوفييتي «بيريسترويكا» قد أطلقه رئيس الاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف في ثمانينيات القرن الماضي.

وترى أشفورد أن جورباتشوف لم يقرأ آنذاك الخريطة العرقية جيداً، مشيرة إلى أن الاحتجاجات حينها أدت إلى زيادة الوعي الوطني، وأطلقت المسيرة السياسية للرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف، والتي قادت البلاد نحو الاستقلال في النهاية.

موسكو بكين!

التقرير كذلك نقل عن آرييل كوهين، الباحث في مركز أوراسيا، قوله إن القيادة الحالية في كازاخستان «بعيدة تماماً عن شعبها، لكنها ليست دولة استبدادية عظمى مثل بيلاروسيا». واعتبر أن ما يجري الآن من اشتباكات وشغب لا يرقى إلى العنف الهائل الذي جرى في مينسك. واستبعد كوهين أن تنتشر حالة عدم الاستقرار هذه إلى ما وراء كازاخستان. لكن طرح سؤالاً اعتبره جوهرياً وهو «كيف سترد كل من موسكو وبكين؟».

وبينما كان كوهين يطرح سؤاله، كانت روسيا تباشر نشر قواتها بالفعل في كازاخستان. وقال الباحث «ربما تستخدم موسكو هذا ذريعة لاستعادة شمال كازاخستان، الذي يعد موطناً لغالبية إنتاج الهيدروكربونات في البلاد، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من سكانها من أصل روسي».

روسيا الأم

إذا وضعنا في الاعتبار مناشدة رئيس كازاخستان لأعضاء «منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، التي حلت عملياً مكان حلف وارسو، للحصول على المساعدة في مواجهة «إرهابيين مدربين بالخارج»، فهذا يضعنا مباشرة أمام دعم «روسيا الأم»، كأكبر قوة عسكرية حالية في المنظمة. ربنا لا يصل الأمر إلى أن تفتح موسكو جبهة صراع جديدة، في ظل التعزيز العسكري الجاري على الحدود مع أوكرانيا، لكن لا ينبغي في السياق تجاهل أن لروسيا مصالح قوية في كازاخستان. فمن الغاز الكازاخستاني إلى ميناء «بايكونور» الفضائي، الذي بناه الاتحاد السوفيني السابق في إطار مكافحة التجسس خلال الحرب الباردة، تتعدد مصالح روسيا في تلك الجمهورية الآوراسية.

أما الصين، فكان أول تعليق لها، الخميس، أن ما يحدث «مشكلة داخلية»، لكنها بلا شك تراقب بـ«عين الصقر» مصالحها هناك. فالصين لديها مصلحة أقل، لكنها مهمة. كازاخستان تزود بكين بما لا يقل عن 5 % من واردات الغاز الطبيعي الصيني، وهو ما يسلط الضوء على احتمالية أن تلعب «منظمة شنغهاي للتعاون»، وهي تحالف سياسي- اقتصادي- أمني أوروآسيوي، دوراً مهماً في الأزمة مستقبلاً.

نفوذ ضئيل

لا شك أن آخر ما تريده موسكو وبكين، على حد سواء، هو رؤية اضطرابات في بلد تقع في دائرة اهتماميهما لغناها بموارد النفط والغاز واليورانيوم والقمح. وربما تتطور الأحداث إلى تفكك كازاخستان. لذا يرى كوهين أن واشنطن أيضاً تحتاج إلى الضغط على «نور سلطان» من أجل ضبط النفس ووقف العنف وإعادة الإنترنت.. ومن ثم إجراء انتخابات نزيهة.

في المقابل، فإن قدرة الولايات المتحدة على التدخل في هذه الأزمة محدودة، بحسب هارينج، التي أوضحت أنه «لديها نفوذ ضئيل في كازاخستان.. لا يوجد سفير حالياً». كما أن الأدوات التقليدية الأمريكية لفرض عقوبات غير مجدية في هذه الأزمة، إذ إن شركات الطاقة الأمريكية الكبرى «مندمجة بعمق في الاقتصاد الكازاخستاني»، ما قد يؤدي إلى المخاطرة بحدوث نقص في الإنتاج يلقي بظلاله نهاية الأمر على الحلفاء الأوروبيين.