الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

«الحديقة 10».. قصة حفلين يضعان مستقبل بوريس جونسون على المحك

«الحديقة 10».. قصة حفلين يضعان مستقبل بوريس جونسون على المحك

كينير وشقيقته المتوفاة.. «لم نتعانق.. ولم نسمح بمواساة أنفسنا بأي تلامس جسدي».

لم تلق الاعتذارات التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال جلسة مشوبة بالتوتر، الأربعاء، في مجلس العموم البريطاني (البرلمان)، صدىً يذكر لدى منتقديه. يبدو أن تداعيات حفل «الحديقة 10» أكبر بكثير مما كان يتوقع، لا سيما إذا ما قورن بحفل عزاء صامت أقيم بالتزامن لإحدى ضحايا «كوفيد»، في وقت كانت تخضع فيه البلاد لإغلاق وطني، ما يراه الكثير من البريطانيين الآن ضربة «لمأساتنا المشتركة».

وخلال مساءلته بشأن الحفل المثير للجدل، الذي أقيم في مقر الحكومة، في 20 مايو الماضي، في خضم الإغلاق الذي كان مفروضاً على البريطانيين آنذاك، اعترف جونسون بحضوره مع زوجته كاري حفل «الحديقة رقم 10»، وقال إنه كان يعتقد أنه «حفل عمل»، ما أثار همهمات سخرية واستهزاء من قبل نواب المعارضة. ووصفه زعيم حزب العمال كير ستارمر بأنه «رجل بلا خجل» و«كاذب».

«اعتذار عن سكب اللبن»

وبدلاً من تهدئة غضب الرأي العام والأوساط السياسية، طالب المحافظون رئيس الوزراء بالاستقالة. ووصفت صحيفة «جارديان» البريطانية الاعتذار بأنه «كان مصاغاً بعناية»، لكنها نقلت عن وزير سابق قوله إن جونسون «لم يعتذر عما فعله، إنما عن أشياء.. لم تحدث ولا يعرف عنها شيئاً رسمياً»، فيما شبه عضو برلماني اعتذاره بالأطفال، قائلاً: «لم أر مثل هذا الاعتذار، الذي لم يبُذل فيه أي مجهود، منذ كان طفلي يعتذر عن سكب اللبن». كما اعتبرت الصحيفة أن جونسون بدا «أقل ندماً»، مشيرة إلى اقتراح أحد النواب بأن تكون الانتخابات المحلية المقبلة في مايو «لحظة ممكنة لإجراء تصويت بحجب الثقة».

على طرفي النقيض

كل تلك التداعيات التي تهدد المستقبل السياسي لرئيس الوزراء البريطاني كان وراءها حفل، راج إعلامياً في الصحف البريطانية باسم «حفل الإغلاق» أو «حفل الحديقة 10». غير أن هناك حفلاً آخر على النقيض منه أقيم في ذات الليلة، تحدث عنه مقال نشر في صحيفة «جارديان». حفلُ عزاءٍ صامت حضره فقط شقيقا إحدى ضحايا كوفيد، امتنعا خلالها حتى عن مواساة بعضهما البعض بالعناق الجسدي.

الحديقة 10

تقع الحديقة خلف المقر الرسمي للحكومة البريطانية، وتطل حافتها على شارع «داونينج ستريت»، في منطقة «وايتهول»، بمدينة وستمنستر، وسط عاصمة الضباب لندن، بمحاذاة قصر وستمنستر (البرلمان) وبالقرب من قصر بكنجهام الملكي.

تقسم الحديقة إلى 10 و11 إذ تتخذ شكل الحرف "L" وتغطي مساحة 0.5 فدان.



تطل الحديقة على المقار الرسمية لكل من: رئيس الوزراء، ومستشار الخزانة (اللورد الأول للخزينة)، والذي كان 10 داونينج ستريت في الأساس هو المقر الرسمي له، قبل أن يُدمج هذا المنصب ضمن صلاحيات رئيس الوزراء منذ عام 1905.

بدأ تشييد المبنى المكون من 3 منازل (أكبرها 10 داونينج ستريت) عام 1682. وعرضه الملك جورج الثاني على رئيس الوزراء آنذاك السير روبرت والبول عام 1732، والذي قبل الهدية شريطة أن تكون باسم منصب لورد الخزانة الأول وليس له شخصياً.

وتحمل الحديقة الرقم 10، نظراً إلى أن مبنى المقر الرسمي لرئيس الوزراء هو الرقم 10. أما مقر مستشار الخزانة فهو الرقم 11. أما المنزل الثالث رقم 12، فيستخدم لسكن المكتب الصحفي لرئيس الوزراء ووحدة الاتصالات الاستراتيجية.

أحضروا مشروباتكم

كان مكتب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد أرسل دعوة، في مايو الماضي، عبر البريد الإلكتروني لحضور حفل الحديقة، الذي تضمن كحوليات، واستضاف ما يصل إلى 40 مسؤولاً، على الرغم من أن صحيفة «إيفينيينج ستاندرد» كشفت عن تسريب مفاده أن الدعوة شملت أكثر من 100 موظف خلال فترة الإغلاق الوطني.

وقيل في الدعوة: «تعالوا للاستفادة القصوى من الطقس الدافئ.. أحضروا مشروباتكم الخاصة.. مشروبات متباعدة اجتماعياً».

«دفنت أختي»

في المقابل، نشرت «جادريان» مقالا كتبه روري كينير، ممثل وكاتب مسرحي، عن ذكرياته الأليمة التي صادفت اليوم نفسه، الذي أقيم فيه الحفل وسط الإغلاق، قائلاً: «في يوم حفل الحديقة 10.. دفنت أختي».

وتابع: «كان الألم يعتصرنا ككثير من العائلات حول العالم. شعرت أننا جميعاً متشاركون الألم.. أتذكر جيداً ما كنت أفعله مساء يوم 20 مايو.. عندما كان موظفو داونينج ستريت يحققون الاستفادة القصوى من الطقس الجميل.. ربما كان هناك ضحك وزجاجات نبيذ.. كنت أنا في منزلي. وكان معي أيضاً كأس نبيذ، لكنني احتسيته وحدي.. ففي هذا اليوم دفنت أختي».

وأضاف: «بعد الجنازة، ذهبت إلى منزل والدتي.. جلست مع أختي الثانية أيضاً في حديقة والدتنا.. التزمنا التباعد الاجتماعي.. اعتقدنا أن هذا أقل ما يسمح به حزننا على أختنا التي توفيت نتيجة كوفيد». ومضى قائلاً «لم نتعانق، ولم نسمح لأنفسنا بأي عزاء ينضوي على تلامس جسدي. اعتقدنا أن ذلك أكثر أماناً».

وأضاف: «قصتنا واحدة من آلاف القصص المماثلة التي تحدث في جميع أنحاء البلاد.. كانت الشوارع هادئة للغاية.. صمتٌ يفصح عن إنكار الذات والاحترام المتبادل».

ثم انتقل كينير من تلك الأجواء التي كانت تفصله نحو ميلين عن حديقة «داونينج ستريت»، قائلاً «الآن يطاردني صوت ضحكاتهم الرقيقة في ذلك اليوم المشمس.. تبدو أفعالهم بمثابة اعتداء مباشر في وجه عائلتي، وفي وجه مأساتنا الوطنية المشتركة».