الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«ساعة الصفر».. روسيا تخصص 500 مليار دولار لاجتياح أوكرانيا

«ساعة الصفر».. روسيا تخصص 500 مليار دولار لاجتياح أوكرانيا

دبابات تابعة للقوات المسلحة الألمانية في طريقها إلى ليتوانيا. (رويترز)

• إمداد القوات الروسية بمستشفيات عسكرية ومؤن وكميات هائلة من فصائل الدم

• الـ«CIA» و«MI6» رصدا تنسيق موسكو مع الانفصاليين لمرحلة ما بعد الغزو

• 9 سيناريوهات تحدد المسارات المرشَّحة للهجوم في مقدمتها «حركة الملقط»

• «السيناريو الأسوأ» يضمن لقوات روسيا السيطرة على كييف خلال 48 ساعة

• خسائر أوكرانيا البشرية تقدر بـ50 ألف مدني ومن 2000 إلى 5000 جندي

• خسائر موسكو المدنية (صفر) وتوقعات بمقتل 10 آلاف عسكري في المواجهة

• خبير يمنح بوتين حق قرع طبول الحرب واستعراض القوة أمام معسكر الغرب

غالب قرع طبول غزو روسيا المحتمل لأوكرانيا أصوات المباحثات الهاتفية بين موسكو من جهة، ومعسكر الغرب من جهة أخرى. وبات الاتصال الهاتفي بين بايدن وبوتين مساء السبت جملة اعتراضية في الإعداد لغزو أوكرانيا المحتمل؛ فبعد الاتصال الهاتفي الذي استغرق 62 دقيقة، أطل البيت الأبيض ببيان «باهت»، يؤكد أنه لم يطرأ تغيير على الموقفين الأمريكي والروسي إزاء الأزمة الأوكرانية، وفيما وصف الكرملين البيان بـ«السخيف» على خلفية تحذيرات بايدن لبوتين؛ تمثل التطور الأوقع في تأكيد وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA عصر الأحد الماضي، نجاحها في اعتراض رسالة عسكرية سريَّة، بعثت بها وزارة الدفاع في موسكو إلى قادة القوات الروسية المنتشرة حول أوكرانيا، وأوعزت الرسالة إلى تلك القوات بالتأهب لساعة صفر القتال، التي من المقرر أن تبدأ يوم الأربعاء المقبل، 16 فبراير الجاري.

وحسب ما نقله موقع «دبكا» العبري عن دوائر استخباراتية غربية، وزَّعت الـCIA رسائل تحذير مفصَّلة على المستويات السياسية والعسكرية الغربية بعد البيت الأبيض، تفيد باعتزام روسيا غزو أوكرانيا صباح 16 فبراير الجاري. وتحصَّلت الولايات المتحدة على تلك المعلومات بعد نجاح الـCIA في اعتراض رسالة قادمة من مقر القيادة العسكرية العليا في موسكو إلى قيادات القوات الروسية المتمركزة على الأرض حول الحدود الأوكرانية، وتضمنت الرسالة تفاصيل حول المهام العسكرية الموكلة للقادة الروس عند غزو أوكرانيا.



استعدادات الغزو


وبموجب تقرير الموقع الذي يدعي صلته بقنوات استخباراتية في تل أبيب، كانت الـCIA، ونظيرتها البريطانية الـMI6 قد اعترضتا خلال الآونة الأخيرة رسائل تناقلتها موسكو مع الأوكرانيين الموالين لروسيا، وتضمنت الدور المنوط بالموالين في أوكرانيا إبان وبعد الغزو الروسي الوشيك. وقالت دوائر استخباراتية أمريكية وبريطانية إن اعتراض الرسائل السرية بين موسكو والأوكرانيين الموالين لروسيا، كان سبباً مباشراً في دعوة العديد من الدول رعاياها في أوكرانيا إلى مغادرة البلاد فوراً، نظراً لاقتراب ساعة صفر الحرب الوشيكة.

ورغم زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للعاصمة كييف أمس الاثنين، لإجراء محادثات مع رئيس أوكرانيا فلاديمير زلنسكي، وعروجه اليوم الثلاثاء إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك في إطار الجهود المبذولة للحيلولة دون اندلاع حرب وشيكة؛ لا يبدو أن فرص نزع فتيل الأزمة باتت مستحيلة فقط، وإنما تؤشر كافة الخطوات الدبلوماسية بما في ذلك الأمريكية إلى وصول لطريق مسدود، ويطالب الروس بتنفيذ حزمة مطالبهم الأمنية، التي عرضوها منذ 17 سبتمبر العام الماضي، ومن بين المطالب التزام أوكرانيا بالعزوف عن الانضمام لحلف الـ«ناتو»، والتزام الحلف في المقابل بوقف انتشاره في شرق أوروبا.

حتى أن بصيص الأمل الذي أطل السبت الماضي 12 فبراير الجاري، حين قال سفير أوكرانيا لدى بريطانيا فاديم بريستايكو خلال لقاء مع الـ«BBC» إن أوكرانيا على استعداد لإبداء «مرونة» حيال المطالب الروسية المناوئة لانضمام كييف إلى الـ«ناتو»، تبخَّر هو الآخر بعد نفي الرئيس الأوكراني تصريحات السفير بريستايكو، وتأكيده بغضب بالغ أنها تغاير الموقف الرسمي لبلاده.

تفاقمات الموقف

ووضعت المستجدات أوكرانيا أمام تفاقمات جديدة للموقف، جاء في طليعتها انتهاء الجيش الروسي تماماً من كامل انتشاره على حدود أوكرانيا، وكذلك في مناطقها البحرية، وتلقي الحشود الروسية إمدادات لوجستية وعسكرية، تمكنها البقاء في عرض البحر والميادين القتالية البرية لمدة شهر كامل. وحسب تقرير «دبكا»، تلقت الحشود كافة إمدادات الدعم الطبي اللازمة حال اندلاع المواجهة المرتقبة، بما في ذلك تأهب واستنفار غير مسبوق للمستشفيات العسكرية الميدانية، وتوفير كميات هائلة من فصائل الدم المختلفة.

وفي حين لا يتوقف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن كيل التحذيرات من غزو وشيك لأوكرانيا، فضلاً عن تهديده بفرض عقوبات على موسكو، تؤكد كافة القرائن عجز البيت الأبيض عن ردع الروس. وعزت دوائر سياسية واقتصادية في موسكو «لا مبالاة الدب الروسي» بتهديدات العقوبات، إلى أن بوتين الذي أعد للقتال ونشر قواته وجهزها خلال فترة زمنية طويلة، يستعد في المقابل لعقوبات محتملة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا. وينقل موقع «دبكا» في هذا الخصوص عن دوائر استخباراتية أمريكية، تخصيص بوتين 500 مليار دولار لتمويل الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن اعتماده على الصين في الالتفاف على العقوبات المزمعة.

عمليات برمائية

وأمام ذلك، تعددت التوقعات والسيناريوهات حول مسارات الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، بالإضافة إلى أنواع الأسلحة والقوات، المقرر اعتماد روسيا عليها في عملية المداهمة المرتقبة. ودارت التوقعات في مجملها حول انطلاق الغزو من الأراضي الروسية نفسها، أو من بيلاروسيا، أو عبر عمليات برمائية من البحر، أو عبر قصف مدفعي إلى جانب نظير جوي لتدمير قدرة كييف الدفاعية، وفرض تغيير النظام في أوكرانيا.

ونظراً لتفاقم أعداد القوات الروسية حول الحدود الأوكرانية، بات المجال مفتوحاً أمام عديد السيناريوهات ومسارات الغزو، وجاء في طليعتها، حسب الـ«الغارديان» البريطانية تقديرات أجهزة الاستخبارات الغربية لغزو أوكرانيا عبر مسار روسيا أو أراضي بيلاروسيا. لكن التقديرات أكدت في الوقت ذاته أن الهدف من هذا المسار ينحصر في تطويق كييف وفرض تغيير النظام الأوكراني فقط، ليصبح موالياً لروسيا. مع ذلك أشارت الـ«غارديان» إلى تعارض تلك التقديرات مع نظيرتها التي نشرتها أوكرانيا نفسها، وبموجبها ينطلق المسار الأقرب للغزو المرتقب من الشرق، ليتلقى الروس خلاله دعماً ومساعدة من القوات الانفصالية في دونباس.

السيناريو الأسوأ

وخلال نوفمبر الماضي، استعرضت الاستخبارات العسكرية في أوكرانيا خارطة تتضمن السيناريو الموصوف بـ«الأسوأ»، وبموجبه تداهم القوات الروسية أوكرانيا من ناحيتي الشرق والجنوب عبر شبه جزيرة القرم المحتلة، وإلى جانبه تبادر روسيا بهجوم برمائي من البحر يستهدف مدينة أوديسا، الواقعة غرب شبه جزيرة القرم وسواحل البحر الأسود. وفي هذا الهجوم، يسود الاعتقاد بإمكانية تلقي القوات الروسية المنتشرة حالياً في إقليم ترنسنيتريا غرب مولدوفا مساعدات هائلة.

من بيلاروسيا أيضاً، قد تداهم القوات الروسية أوكرانيا، نظراً لأهمية هذا المسار، إذا كانت موسكو تنوي فعلاً حصار العاصمة كييف؛ فالغزو من هذه الجهة يجعل من السهل جداً التوجه للعاصمة الأوكرانية دون الحاجة إلى عبور نهر دنيبر حال الغزو من ناحية الشرق. ويأتي ذلك رغم تقرير نشرته شبكة NBC الأمريكية، وتضمن تقديرات الاستخبارات الأمريكية لمسارات الغزو الروسي المرشَّحة، والتي يستطيع الدب الروسي بموجبها الوصول إلى العاصمة كييف في أقل من 48 ساعة، اعتماداً على شبكة المواصلات المتشعبة، التي تؤدي للعاصمة الأوكرانية.

9مسارات للغزو

وتشير التقديرات الاستخباراتية الأمريكية التي نقلتها NBC إلى 9 مسارات لغزو روسي محتمل، ومن بين المسارات الـ9، جرى اعتماد مسارين رئيسيين، لن تتجاوزهما عملية الغزو المرتقبة لأوكرانيا، وذلك عبر شن هجوم من عدة جبهات مختلفة في توقيت متزامن، وهو التكتيك العسكري المعروف بـ«حركة الملقط». وحسب السيناريو الأول، يسيطر الجيش الروسي على معظم الأراضي الأوكرانية شرق نهر دنيبر، وهي المنطقة التي تحوي 50% من إجمالي قوات الجيش الأوكراني، من بينها قوات النخبة (الخاصة). وفي إطار هجوم كذلك، تعبر الدبابات ووحدات سلاح المشاة الروسية حدود روسيا الغربية، وفي الطريق إلى نهر دنيبر، تطوِّق أيضاً مدينتي بولتفا وخركوف.

ووفقاً لهذا المسار، تتجه قوات البر أيضاً نحو الطريق المؤدي إلى إقليم دونباس شرق أوكرانيا، الذي تتمركز فيه القوات الانفصالية الموالية لموسكو، وعبر الاتجاه جنوباً نحو شبه جزيرة القرم، تسيطر القوات الروسية على الشريط الساحلي لبحر آزوف. ومن منطقة القرم نفسها، تنطلق مروحيات ومقاتلات لدعم تلك القوات جواً. ويتضمن هذا المسار، حسب ما نقلته NBC عن دوائر استخباراتية أمريكية هجوماً برمائياً على سواحل أوكرانيا المطلة على سواحل البحر الأسود.

الأكثر بشاعة

أما المسار الثاني، والذي يوصف بـ«الأكثر بشاعة»، فيتضمن هجوماً من اتجاه الشمال عبر بيلاروسيا لفرض حصار على مدينة كييف. وتشير التقديرات إلى أن المسار كذلك يشتمل أيضاً على إمكانية الانتقال إلى كييف عبر منطقة المفاعل النووي المعطَّل «تشرنوبل» شمال كييف، والملاصق جداً للحدود مع بيلاروسيا. وفي هجوم كذلك، من المتوقع أن تعتمد روسيا على بطاريتي صواريخ دفاع جوي متطورة من طراز S-400، اللتين وضعتهما في أراضي بيلاروسيا، إذ تستطيع منظومات الصواريخ من هذا النوع المساس بكل مقاتلة تطلقها أوكرانيا باتجاه القوات الروسية في بيلاروسيا.

وعلى هذين المسارين، من المتوقع تطوير الهجوم الروسي عبر ضربة استباقية مكثفة لتدمير قدرات الدفاع الأوكرانية المستقلة، وفقاً لما أشار إليه مؤخراً وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، مؤكداً أن الغزو الروسي قد يتطور إلى قصف جوي وهجوم صاروخي مكثف. وهو ما أكدته تقديرات شبكة NBC حين توقعت اندماج الهجوم المدفعي مع نظير جوي، وفي إطاره تحاول روسيا تدمير القواعد الجوية الأوكرانية، بما في ذلك منظوماتها الرادارية، ومستودعات الذخيرة، ومواقع حيوية أخرى للجيش الأوكراني. ولكي يتم عزل وحدات جيش أوكرانيا بالتزامن مع ذلك، من غير المستبعد إقدام روسيا على تدمير عدد من الجسور المحورية. وإلى جانب الحرب التقليدية، قد تشرع روسيا تزامناً مع ذلك في شن معارك سايبر وإلكترونية لتشويش مسارات الارتباط والاتصال بين الوحدات العسكرية الأوكرانية.

خسائر بشرية

وبعيداً عن مخاوف اندلاع حرب موسعة تتجاوز حدود أوروبا الشرقية، والتي قد ينجر إليها حلف الـ«ناتو»، ليتوجب على الدول العظمى، في طليعتها الولايات المتحدة، التمركز في الخنادق الدفاعية، فالمواجهة العسكرية ذاتها بين روسيا وأوكرانيا قد تسفر عن خسائر بشرية فادحة؛ ووفقاً لتقديرات الإدارة الأمريكية، فإنه حال نشوب الحرب بين موسكو وكييف، يتحرك عدد القتلى من المدنيين الأوكرانيين ما بين 25 و50 ألف شخص، إلى جانب ما بين 2000 إلى 5000 جندي من البلد ذاته، بالإضافة إلى مقتل ما بين 3 إلى 10 آلاف جندي روسي.

من جانبه، يرى بيودور لوكيانوف، رئيس مركز أبحاث السياسات الخارجية والأمن، الذي يتخد من موسكو مقراً له أن رفض الغرب للمطالب الأمنية الروسية، التي عرضتها موسكو، أجبر بوتين على تعزيز مستوى التصعيد، ووصول الأوضاع إلى توتر غير مسبوق. وأضاف في سياق لقاء مع وكالة «أسيوشيتد برس»: «بشكل حيادي، روسيا مضطرة إلى تصعيد مستوى التوتر، إذ رفض الغرب الاستماع والتجاوب مع مطالبها وضماناتها الأمنية؛ فإذا اتخذ الغرب موقفاً سلبياً من مطالب موسكو، فليس أمام الأخيرة سوى تصعيد الضغوطات، وقبل كل شيء ينبغي استعراض القوى الروسية أمام المعسكر الغربي، وهذا هو ما يحدث بالفعل».

الهدف الحقيقي

مع ذلك، يدعي لوكيانوف أن غزو أوكرانيا ليس هدف بوتين الحقيقي، وأضاف: «فكرة بوتين لا تكمن في حل الأزمة الأوكرانية عبر الحرب، وإنما جر معسكر الغرب إلى طاولة المفاوضات. وفي اللحظة التي تبادر فيها روسيا بشن الحرب على أوكرانيا، فسوف تنتهي اللعبة السابقة، لتبدأ لعبة جديدة بمستوى مخاطر آخر؛ فجميعنا يعلم أن السيد بوتين لا يحب المقامرة، وإنما يعد لاعباً متمرساً».

أما إذا لم تسفر الحرب عن نتائج لحلحلة الأزمة، فتشير وكالة «أسيوشيتد برس» إلى أنه رغم إصرار بوتين وحاشيته على تجاوب الغرب التام مع مطالب وضمانات موسكو الأمنية، فهناك العديد من المحللين الروس، الذين يتابعون ما يجري في أروقة الكرملين، يعتقدون إمكانية موافقة موسكو على حلول وسط، تمكن الجانبين من الهبوط من أعلى الشجرة، دون اعتبار ذلك هزيمة لأي طرف.

ورغم إصرار حلف الـ«ناتو» على الالتزام بسياسة الباب المفتوح، وفي إطارها تحصل كل دولة على حق المطالبة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أن الـ«ناتو» لا يعتزم حالياً القبول بعضوية أوكرانيا في الحلف، وكذلك الحال بالنسبة لأية دولة أخرى، كانت في السابق عضواً في الاتحاد السوفييتي ولم تنضم إلى الحلف. بالإضافة إلى طرح عدد من المحللين إمكانية تجميد انضمام أية دولة جديدة إلى عضوية الحلف.