الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بدائل ألمانيا للغاز الروسي.. هل يتفوق أمن الطاقة على حماية المناخ؟

بدائل ألمانيا للغاز الروسي.. هل يتفوق أمن الطاقة على حماية المناخ؟
الغاز والنفط والفحم من موسكو يغطي ربع استهلاك الطاقة في ألمانيا

تستعد الحكومة الألمانية حالياً للعيش فترة بدون إمدادات الطاقة الروسية. مع طرح جميع الأفكار على الطاولة، والتي من بينها إطالة عمر محطات الطاقة النووية التي كان مقرراً إغلاقُها هذا العام، وهو ما يطرح تساؤلاً: هل يتفوق أمن الطاقة الآن على حماية المناخ؟ وأكد تقرير لمجلة «دير شبيغل» الألمانية، أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تغيرت الكثير من الأوضاع بشكل كبير، حيث إن خط نورد ستريم 2 أصبح في عداد الموتى، ويفكر رجال السياسة الألمان حالياً في التركيز على وجهات ومشروعات طاقة أخرى مختلفة.

نقطة تحول


وأشارت المجلة إلى أن هناك الكثير من الحديث هذه الأيام عن «نقطة تحول»، كما قال المستشار الألماني أولاف شولتس، ويتعين على النظام القديم أن يتغير جوهرياً أيضاً في إمدادات الطاقة. فعلى مدى عقود، اتبعت ألمانيا مساراً حذراً للغاية، فمن ناحية استوردت المزيد من الغاز والنفط والفحم من روسيا. ومن ناحية أخرى أغلقت محطات الفحم والطاقة النووية الخاصة بها لدفع انتقال ألمانيا إلى الطاقات النظيفة، وكان لسان حالهم يقول: مَن يحتاج إلى محطات نووية وإلى الغاز الطبيعي المسال إذا كان لديه موسكو؟


وكانت قد أنشأت ألمانيا في عام 2015 محطة «إل إن جي الوطنية» في منطقة «برونزبوتل» بالقرب من ميناء هامبورغ كنقطة تفريغ لناقلات الغاز الطبيعي المسال من جميع أنحاء العالم، خاصة من الولايات المتحدة وأستراليا وقطر. وتم تشكيل شركة خاصة للمشروع في عام 2018، لكنها لم تواصل عملها بعد أن قام عدد من السياسيين وجمعيات حماية البيئة برفع دعوى قضائية ضد المشروع المقترح، لدرجة أن الشركة التي تقف وراء المشروع قامت بتسريح جميع موظفيها.

سياسة الطاقة

ونوّه التقرير إلى أن الوضع تغير الآن، وسيتم بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال، بغض النظر عن الكلفة، وبالإضافة إلى المحطة في برونزبوتل، ستكون هناك محطتان في منطقتَي فيلهلمسهافن وشتاده أيضاً. وكانت قد انتقدت صحف عالمية سياسة الطاقة في ألمانيا؛ كونها لا تنظر إلى إمداداتها من الطاقة كعنصر من عناصر الأمن القومي، وتراها حصرياً من خلال عدسة سياسة المناخ وحدها. وأنه حتى قبل أسابيع قليلة، كانت برلين تميل ببساطة إلى صرف النظر عن مثل هذه الانتقادات. ولكن الآن فجأة لم يعد مؤكداً ما إذا كان الناس في ألمانيا سيتمكنون من تدفئة المنازل في الشتاء المقبل أو كيف ستحافظ الشركات الصناعية على تشغيل مصانعها. وأكد التقرير أن الغاز والنفط والفحم من روسيا يغطي نحو ربع إجمالي استهلاك الطاقة في ألمانيا. لكن ألمانيا بحاجة إلى القضاء على هذا الاعتماد في أسرع وقت ممكن، وأصبح البحث عن البدائل يسير بوتيرة محمومة، ولا توجد احتمالات مستبعدة، على الأقل ليس على المدى القصير، بما في ذلك الطاقة النووية والفحم والغاز الطبيعي المسال.

وأكد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، من حزب الخضر، أن «التركيز سيكون على البراغماتية وليس الاعتبارات السياسية».

6 أشهر حاسمة

وأشار التقرير إلى أن حقيقة أن السياسي الذي ينتمي لحزب الخضر يقول إنه لن «يعارض أيديولوجيا» المزيد من استخدام الطاقة النووية، ما هي إلا مؤشر واحد على مدى خطورة الوضع. ونوه إلى أنه ستحدد الأشهر الستة المقبلة كيف ستعيش ألمانيا في الشتاء المقبل. وهو ما يفرض على الحكومة الفيدرالية من الآن ملء احتياطات تخزين الغاز مع تجنب أي مخاطر على طول الطريق. وتطرقت المجلة إلى أن السؤال الحاسم حالياً هو: هل وضعت هذه الحرب كوابحَ مؤقتة في حماية المناخ، أم أنها ربما ستعطي دفعة طويلة الأجلة لانتقال ألمانيا إلى الطاقات النظيفة؟ لأنه ليس أمام البلاد خيار سوى التركيز بشكل جذري وسريع على اكتفاء ذاتي واسع النطاق من الرياح والشمس والهيدروجين. ومن بين 40.6 مليون منزل في ألمانيا، يتم تدفئة ما يقرب من نصفها باستخدام الغاز الطبيعي. وبالنسبة للعديد من الصناعات، فهو أيضاً أهم مصدر للطاقة.

الطاقة النظيفة

ووفقاً للخطة الأصلية للحكومة الفيدرالية، كان من المفترض أن يزداد هذا الاعتماد في السنوات المقبلة، وكان من المفترض أن تسهل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الانتقال إلى الطاقات النظيفة، حيث تعمل كجسر تكنولوجي بعد التخلص التدريجي من الطاقة النووية والفحم حتى تحصل الدولة على إمدادات كافية من الطاقة المتجددة. وسيتطلب ذلك عشرات من محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالغاز، والتي تمولها الصناعات الخاصة.

وأشار التقرير إلى أن المشكلة في هذه الخطط هي أنها لا يمكن أن تعمل إلا بمشاركة روسية. حيث تستورد ألمانيا 55% من إمداداتها من الغاز الطبيعي من روسيا. ومنذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كان من الواضح تماماً أن مثل هذا الاعتماد على الكرملين محفوف بالمخاطر وغير حكيم.

ومع ذلك، لم تفعل ألمانيا شيئًا لتقليل تركيزها على الطاقة الروسية في السنوات الأخيرة رغم التحذيرات المتكررة من وزاراتها. ففي عام 2006، على سبيل المثال، كتبت وزارة الدفاع «ستلعب قضايا الطاقة دوراً متزايد الأهمية في الأمن العالمي في المستقبل».

الأولوية القصوى

وأشار التقرير إلى أنه من الآن فصاعداً، يُعد بناء محطات الغاز الطبيعي المسال أولوية قصوى، وأن الحكومة الألمانية تتطلع في هذا الصدد إلى الولايات المتحدة وقطر، على وجه الخصوص، كموردين محتملين، وتريد التفاوض على عقود توريد طويلة الأجل معهما.وأنه ستحل هذه الإمدادات محل الغاز الطبيعي الروسي إلى حد كبير. وسوف تستوعب المحطة في منطقة «شتاده» 12 مليار متر مكعب سنوياً. وتستهلك ألمانيا حالياً نحو 100 مليار متر مكعب سنوياً. وأكدت المجلة أن المرافق معقدة وتتطلب الكثير من الناحية الفنية. ويجب عليهم تحويل الغاز المسال، الذي يتم تبريده إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر والمضغوط بشدة للنقل في سفن خاصة، إلى غاز طبيعي عادي. ومن المقدر أن يستغرق تشييد المحطات 4 سنوات.

وقال التقرير إنه حتى ذلك الحين يتعين على ألمانيا الاعتماد على نقاط وصول أخرى، حيث يوجد ما مجموعه 26 محطة للغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وحتى لو تم استغلال طاقاتها بالكامل، فسيكون ذلك كافياً بالكاد لـ40% من الطلب على الغاز في أوروبا في يناير المقبل، وذلك بحسب حساب خدمة معلومات الطاقة «أي سي أي أس». لذلك، بالنسبة للمستقبل المنظور، لا توجد بدائل قليلة سوى اللجوء إلى مصادر الطاقة التي تم الإعلان عن وفاتها بالفعل في ألمانيا مثل الفحم والطاقة النووية.وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك، إنه على المدى القصير، «لكي نكون مستعدين للأسوأ، قد نضطر إلى الاحتفاظ بمحطات الفحم في الاحتياط، وربما حتى تشغيلها». وبدأت وزارة الاقتصاد الألمانية البحث عن أرض لاستخدامها في احتياطي الفحم الوطني الذي يمكن أن يوفر ما يكفي من الكهرباء والتدفئة للبلاد لمدة 30 يوماً من الشتاء.