الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«فريق النمر».. صقور أمريكية لإدارة الحرب الروسية - الأوكرانية

«فريق النمر».. صقور أمريكية لإدارة الحرب الروسية - الأوكرانية

أمريكا بذلت جهوداً كبيرة لتقويض قوة روسيا الدعائية في الحرب الأوكرانية. (أ ف ب)

الحفاظ على استمرار أمريكا على قمة الهرم العالمي أبرز الأهداف الاستراتيجية

يتشكل من المخابرات ووزارة الخارجية والدفاع وقدم خريطة طريق لكبار المسئولين

يمثل «خلية الأزمة» الأمريكية لتقديم الحلول للتعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية

صاحب الفضل في صياغة استراتيجية أمريكية وغربية منسقة وشاملة للحرب في أوكرانيا

يستعد لوضع رؤية مستقبلية جيوسياسية للتعامل مع روسيا عقب الحرب الأوكرانية

فوجئ الكثيرون داخل الولايات المتحدة وخارجها باحترافية التعاطي الأمريكي مع الأزمة الروسية الأوكرانية منذ نوفمبر 2021، قبل أن يعبر الجيش الأحمر من ثلاثة محاور الحدود الروسية والبيلاروسية إلى أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وتعود أسباب المفاجأة إلى تلك الصورة النمطية السلبية عن الأداء الأمريكي الباهت في أفغانستان والخروج الفوضوي من بلاد تورا بورا في 31 أغسطس الماضي، وهو ما رسم صورة أقل طموحاً بل أثارت الكثير من المخاوف لدى حلفاء الولايات المتحدة الغربيين حول مدى قدرة واشنطن على تنسيق رد جماعي على أي خطوة روسية بشأن أوكرانيا، وكانت كل التقديرات، بما فيها أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، بأن أداء واشنطن في الملف الأوكراني لن يختلف كثيراً عن الأداء الأمريكي في أفغانستان وقبلها في العراق.

لكن بعد مرور أكثر من 5 أسابيع على بدء الحرب الأوكرانية الروسية اكتشف الجميع السر، وهو «فريق النمر» الذي يصيغ ويهندس الأفكار والقرارات الأمريكية، ويطرحها على الرئيس الأمريكي وحلفاء البيت الأبيض، وحقق هذا الفريق نتائج مذهلة في وجهة نظر الكثيرين، فما هو «فريق النمر»؟ وما هي المهام التي يقوم بها؟ وما أبرز النتائج التي تحققت على يديه حتى الآن في الحرب الروسية - الأوكرانية؟ بدء العمل مبكراً، أدركت الولايات المتحدة مبكراً أن الأوضاع في أوكرانيا يمكن أن تنزلق إلى الحرب، وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز منذ منتصف ديسمبر الماضي عن استعداد روسي لاجتياح أوكرانيا، لكن ما كشفته صحيفة واشنطن بوست أكد على أن مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض شكل منذ نوفمبر 2021 فريقاً كبيراً من المتخصصين والخبراء السياسيين والعسكريين في إطار تعامله واستجابته للأوضاع المتسارعة في أوكرانيا، وأطلق على هذا المجموعة «فريق النمر»، ويقوم هذا الفريق منذ نوفمبر الماضي بقيادة العمليات الأمريكية في أوكرانيا على كافة المستويات من تلقي المعلومات الاستخباراتية ومشاركة أجهزة الاستخبارات في تحليل المعلومات القادمة من أوكرانيا وروسيا، ووضع التصور والرؤية للخطوات الروسية القادمة، وبناء عليها يقوم «فريق النمر» بتقديم الخيارات المناسبة للرئيس الأمريكي جون بايدن وفريق الأمن القومي الأمريكي بقيادة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي طلب من أليكس بيك مدير مجلس الأمن القومي للتخطيط الاستراتيجي، قيادة جهود التخطيط عبر عدد من الوكالات، وتم إشراك وزارات الدفاع والخارجية والطاقة والخزانة والأمن الداخلي في هذا الفريق، بحسب ما نقلت واشنطن بوست.

إقرأ أيضاً..الغرب يدفع أوكرانيا لنهجٍ «دون كيشوتي».. والدرع الأمريكي عفا عليه الزمن

5 مرتكزات

ووفق مجموعة من التقارير التي نشرتها الصحافة وشبكات التلفزيون الأمريكية، فإن «فريق النمر» رسم منذ البداية، وفي وقت مبكر من شهر نوفمبر الماضي الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمريكية في أوكرانيا، حيث تقوم على 5 مرتكزات رئيسية، الأول: معاقبة روسيا على أي محاولة لاجتياح أوكرانيا سواء كانت في دونباس فقط، أو أي محور آخر، وكان الهدف والكلمات والمفردات التي صاغها «فريق النمر» تعبر عن هذا الهدف بوضوح، وأن الولايات المتحدة سوف تعاقب روسيا اقتصادياً لو عبر جندي روسي واحد إلى أي شبر من الأراضي الأوكرانية، وحرص فريق النمر على تجهيز هذه العقوبات قبل الغزو حتى يظهر رد الفعل الأمريكي والغربي بالسرعة التي تقنع الآخرين للانضمام لتلك العقوبات، بحسب «فاينانشيال تايمز».

الثاني: ربط أي تحرك أمريكي وتنسيقه مع الحلفاء والأصدقاء، وصبغ كل خطوة أمريكية بالطابع الأيديولوجي، مثل تكرار مصطلحات «تحالف القيم ضد تحالف الديكتاتوريات»، ولهذا نجح هذا الفريق في تحويل المعركة، لتكون ليس فقط بين روسيا والغرب، بل بين روسيا ودول تحالف القيم الذي يضم دول في أقصى الشرق، مثل اليابان، ودول في جنوب الكرة الأرضية، مثل أستراليا ونيوزيلندا، ومن عوامل نجاح التحركات التي صاغها فريق النمر أن الولايات المتحدة كانت تعلن عن خطواتها وعقوباتها على روسيا بعد التشاور والاتفاق الكامل مع الشركاء، وهو ما أدى لظهور كتلة واحدة تتحدث بصوت واحد ضد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

ثالثاً: قامت استراتيجية «فريق النمر» على الإعلان بوضوح كامل عن عدم التورط في حرب مباشرة وواسعة مع روسيا من خلال تكرار رؤية «فريق النمر» على أن الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتحالف القيم لا ولن ينخرطوا في حرب مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، وأن مهمة أمريكا وحلفائها هي سلامة وأمن الحدود الأطلسية، وهذا الطرح ساهم في تحقيق جملة من الأهداف في مقدمتها تعزيز وضعية ومكانة الناتو الذي تحول لمظلة لحماية 30 دولة، هي عدد أعضاء دول الحلف بعد أن تعهدت جميع دول الحلف بتفعيل المادة «5» من ميثاق الأطلسي التي أسست لفكرة الأمن الجماعي، بمعنى أن أي اعتداء على دولة هو اعتداء على كل الدول، ولهذا حرص الرئيس بايدن خلال جولته الأوروبية الأخير للتأكيد على «قدسية» المادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي.

رابعا: إرسال كافة أنواع الأسلحة الفتاكة التي يمكن أن تفشل أهداف روسيا الإستراتيجية في أوكرانيا، وتحدث «فريق النمر» منذ البداية عن عنصرين في معادلة القوة على الأرض، الأول، هو مواصلة إرسال السلاح عبر 1500 كلم من الحدود الأوكرانية مع دول الناتو، والإسراع بإرسال هذه الأسلحة حتى لا تسقط كييف بسرعة. والثاني، وبالتزامن العمل على تسهيل وصول الفيلق الأجنبي للمقاتلين الأجانب لقتال الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية، وفق صحيفة واشنطن بوست. خامساً: الشمولية، بمعنى لم يترك «فريق النمر» أي شيء للمصادفة، وطرح منذ البداية حلول لكيفية التعامل مع اللاجئين الأوكرانيين، وكيفية تأمين السفارة الأمريكية في كييف، وكيفية الرد حال قيام موسكو بهجوم سيبراني كبير أو حتى هجمات كيميائية أو بيولوجية أو نووية في أوكرانيا، وقام «فريق النمر» بتوزيع دليل عمل يشبه "خريطة الطريق" في 30 صفحة، تم توزيعها على كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمخابرات والبنتاجون.

إقرأ أيضاً..مروحيتان أوكرانيتان تقصفان مستودعاً للنفط داخل روسيا

الواقعية وطرح البدائل

ويمتدح مسؤولو البيت الأبيض الجهد والابتكارات الكبيرة التي قدمها «فريق النمر»، وأنه لم يساعد فقط على توقع السيناريوهات المحتملة لأزمة أوكرانيا، بل لعب دوراً مبكراً للغاية، مثل "فضح حرب المعلومات الروسية قبل تنفيذها لتقويض قوتها الدعائية"، بحسب رأي مسئولي البيت الأبيض، وفي المقابل ساهم «فريق النمر» في تسويق رؤية الولايات المتحدة لدى حلفائها حول الأوضاع في أوكرانيا، ولهذا تميزت مقترحات وحلول «فريق النمر» بالواقعية وطرح البدائل، وفق شبكة «سي إن إن»، فعندما قررت الولايات المتحدة وقف إمدادات الطاقة الروسية لم تلزم شركاءها الأوربيين بنفس القدر، لأنها تستورد من روسيا نحو 5% فقط من احتياجاتها النفطية، بينما الأوروبيون يعتمدون على نحو 40% من مشتريات الطاقة من روسيا، وفق وكالة بلومبيرغ، ولهذا بدأت الولايات المتحدة بخلق رأي عام ضد «خط نورد ستريم 2»، ثم تعهدت بتوفير 15 مليار متر مكعب من الغاز المسال الأمريكي لأوروبا، ونحو 50 مليار متر مكعب من حلفائها، وبعد ذلك تركت الأوروبيين ليضعوا الإطار الزمني للتوقف عن شراء الغاز والنفط الروسي، وهي خطة عمل عليها «فريق النمر» منذ اليوم الأول لخلاصة المخابرات الأمريكية بأن القوات الروسية في وضعية الهجوم على أوكرانيا.

نمور أخرى شجعت تجربة «فريق النمر» مجلس الأمن القومي الأمريكي على تشكيل فرق جديدة على غراره. وبحسب وكالة رويترز، فإن مجلس الأمن القومي الأمريكي أرسل في 28 فبراير الماضي، أي بعد اندلاع الحرب بـ4 أيام، مذكرة يقول فيها، إنه شكل فريقاً جديداً لبحث التحولات الاستراتيجية على العالم في مرحلة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وسوف يعمل هذا الفريق الجديد على الدفع بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية والدفاع عنها في ظل الصراع المحتدم مع القوى المنافسة لواشنطن على الساحة العالمية. الثابت أن ما ظهر من رد قوي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ضد روسيا يعود إلى "فريق النمر" الذي شكله البيت الأبيض في نوفمبر الماضي أي قبل العملية الروسية في أوكرانيا بنحو 3 أشهر كاملة، وهو نموذج في إدارة الأزمات، وتنسيق الجهود بين الحلفاء، وهو ما يدفع الكثيرين للاعتقاد بأن أداء إدارة بايدن في الحرب الأوكرانية الروسية هو الأفضل لها منذ دخولها البيت الأبيض في 20 يناير 2021.