الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

ويليام بيرنز.. وجه هادئ يعيد الـ«سي آي إيه» لسابق عهدها

ويليام بيرنز.. وجه هادئ يعيد الـ«سي آي إيه» لسابق عهدها

ويليام بيرنز. (رويترز)

احتلت المعلومات التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) الدور الأبرز في الفترة التي سبقت الصراع الروسي الأوكراني، حيث جرى الكشف تباعاً عن تحركات وحشود روسية قيل إنها كانت تتأهب للتوغل داخل الأراضي الأوكرانية، بالرغم من نفي موسكو القيام بأي توغلات.

وقال المحلل المغربي أحمد الشرعي، عضو مجلس إدارة المجلس الأطلنطي، ومركز «ناشونال إنتريست» إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عهد ويليام بيرنز عادت لدورها المعهود.

وأضاف الشرعي في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية أن بيرنز اكتسب ثقة ودعم كل من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على مدى 32 عاماً في الخدمة الخارجية الأمريكية، حتى إن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش اختاره بعناية للقاء سري عام 2008 مع القادة الإيرانيين. وكان واحداً من أصغر من تمت ترقيتهم إلى رتبة سفير محترف، أي ما يعادل جنرالاً من فئة الأربع نجوم في القوات المسلحة الأمريكية. وحصل ترشيحه من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، للعمل كمدير لوكالة المخابرات المركزية، على موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع في مارس 2021.

استشهد بايدن بتعامل بيرنز الماهر مع «القضايا الشائكة». ويثبت بيرنز أنه واحد من أكثر من قام بتعيينهم دهاء، وفقاً للشرعي. ففي عامه الأول، استعرض بيرنز مهاراته الكبيرة متمثلة في خبرته الطويلة التي اكتسبها بشق الأنفس، وطباعه الودية وقدرته على الاستماع، لاستعادة التعاون الاستخباراتي والدبلوماسي مع حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

ويقول الشرعي إن الدبلوماسية الشخصية، قد عفا عليها الزمن في وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية. لكن بيرنز الذي يجيد اللغتين الروسية والعربية، يعرف أن هذا النهج قد أتى بثماره في الماضي. وقد أسفر الاتصال المباشر مع ملك الأردن وإمبراطور الكونغو وزعيم ليبيا الراحل عن إنجازات دبلوماسية في العقود الماضية. ويمكن أن ينجح هذا مرة أخرى، إذا تمت تجربته. وقد فعل.

كما أعاد بيرنز وكالة الاستخبارات المركزية إلى مهمتها الأساسية، حيث جمع معلومات استخبارية عن منافسي أمريكا، بما في ذلك أقدم منافس عالمي لها، وهي روسيا. وقد ثبت أن كل هذا ضروري عندما دخلت دبابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أوكرانيا في 24 فبراير، بحسب الشرعي.

اقرأ أيضاً.. بعد حظر النفط.. تكهنات باستعداد الغرب لفرض حظر على الغاز الروسي

ويواجه بيرنز الآن بوتين، وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات السوفييتية (كي جي بي). وتعلم بوتين من خلال وجوده في ألمانيا الشرقية في ثمانينيات القرن الماضي كيفية استخدام الجماعات بالوكالة لتنفيذ هجمات «يمكن إنكارها» وكيفية التلاعب بالمثل الغربية حول تقرير المصير والهوية الوطنية وحقوق الإنسان لمصلحته الخاصة. والآن يستخدم بوتين مجموعة أدواته المتلاعبة نفسها لربط شرق أوكرانيا بروسيا.

وفي مواجهة مثل هذا الخصم القوي، طرح بيرنز سلاحاً جديداً، يستمد قوته بشكل فريد من وسائل التواصل الاجتماعي. وتقليدياً، كانت وكالة الاستخبارات المركزية تجمع المعلومات بهدوء، وتشاركها فقط مع مسؤولين أمريكيين مختارين بعناية، لذلك لن يعرف الهدف أبداً أن أسراره قد سرقت. لكن ماذا لو عكست الوكالة كل هذه الأشياء الثلاثة؟

لقد قرر بيرنز البدء في الكشف عما تعرفه الوكالة. وتحت قيادة بيرنز، اختار عملاء الظلال الضوء كسلاح لهم، وقد ثبت ذلك أنه مدمر. وبدءاً من أول صور الأقمار الاصطناعية للقوات الروسية المحتشدة على طول حدود أوكرانيا في أبريل 2021، اختار بيرنز وإدارة بايدن الكشف عن كل ما يعرفانه تقريباً عن خطط موسكو.

ولم يسبق للولايات المتحدة أن نشرت مثل هذا القدر من المعلومات والتحليلات، بهذا القدر من التفصيل وبهذه السرعة والاتساق. ومع تقديم الكثير من البيانات الموضوعية للعامة، أصبحت الغالبية العظمى ترى روسيا كمعتدٍ محتمل في عام 2021. وعلى مدار ذلك العام، حظيت سياسة بايدن المتمثلة في «ردع الغزو» عن طريق شحن الأسلحة إلى أوكرانيا، بدعم عام.

وبمجرد أن اندلع الصراع الذي كان يخشى منه منذ فترة طويلة، سرعان ما تلقت الجماهير معلومات حول إخفاقات روسيا ومقاومة أوكرانيا العنيدة بشكل مدهش. وشهد العالم فظائع روسية، وإخفاقات لوجستية، وانهيار معنويات القوات، وشكوك المجندين حول النصر. وسرعان ما أصبحت هذه المعلومات عملية «حرب نفسية» هي الأكثر فعالية منذ الحرب العالمية الثانية عبر الإنترنت.

يقول الشرعي إن اتساع نطاق ما كشفته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لم يسبق له مثيل. وشكك العديد من الحلفاء الأوروبيين في هذه المعلومات حتى لحظة بدء العملية. ومن خلال مشاركة أسرارها، وحدت وكالة الاستخبارات المركزية العالم ضد روسيا.

ويضيف الشرعي أن أوكرانيا ليست الأزمة الوحيدة التي ظهرت فيها براعة الوكالة. فهناك جبهات أخرى من جبهات الحرب الباردة التي غابت طويلاً وتعود إلى الحياة. ويفصل مضيق تايوان (ويعرف أيضاً بمضيق فورموسي) الصين عن تايوان بالكاد بـ100 ميل من المياه. وسرعان ما قد تعبر الصين ذلك المضيق بقوة.

ويتقاسم الرئيس الصيني، شي جين بينج، الذي أعلن مع بوتين الصداقة التي لا حدود لها بين بلديهما قبل أسابيع قليلة من العملية الروسية، مع حليفه بعض الصراحة بشأن نواياه. ولم يستبعد أبداً استخدام القوة «لإعادة توحيد» الجزيرة المتمردة.

اقرأ أيضاً.. رغم مرور عام.. غرق الغواصة الإندونيسية نانجالا ما زال لغزاً غامضاً

وفي مواجهة خطر نشوب حرب على جبهتين إذا غزت الصين تايوان بينما تقاتل روسيا في أوكرانيا، زاد بيرنز من عدد موظفي وكالة الاستخبارات المركزية الذين يركزون على الصين، مضيفاً العديد من المتحدثين باللغة الصينية إلى صفوف المحللين. والآن، تدرك الصين أن تحركاتها العدوانية نحو الديمقراطية في الجزيرة سوف يتم سردها للعالم.

كما أن شبه الجزيرة الكورية هي نقطة اشتعال أخرى. وضاعفت كوريا الشمالية عدد تجاربها الصاروخية الباليستية و«الهايبرسونيك» منذ يناير، حتى أنها أطلقت صواريخ يمكن أن تضرب لوس أنجلوس أو سان فرانسيسكو.

أضف إلى ذلك الجائحة المستمرة، والارتفاع المزعزع للاستقرار في أسعار الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، والتهديد الذي يطال سيادة الدولار الأمريكي، وتغير المناخ. لذا فإن وكالة الاستخبارات المركزية تواجه إعصاراً من الأزمات، تُراوح بين العاجلة والمهمة. وقد يكون لدى بيرنز بعض البطاقات الجديدة الأخرى في جعبته.