الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

السدود.. صراعات عابرة للحدود

السدود.. صراعات عابرة للحدود

200 حالة نزاع متعلقة بالمياه منذ 2020 مقارنة بـ629 حالة في العقد السابق

زيادة وتيرة وشدة الفيضانات وغيرها من الأحداث البيئية تسرع عملية تقادمها

مقترحات بإقامة صندوق سيادي لإدارة الأنهار المشتركة تموّله الدول المطلة عليه

تفاقمت حدة المخاوف من نشوب صراعات دولية حول المياه، مع التحوّلات السياسية التي ضربت العالم خلال السنوات الأخيرة، مثل تلك المتعلقة بمحاولات تغييرات جيوسياسية، ما يُصعّب بدوره الوصول إلى هذا المورد الحيوي، إذ يعيش ملياري شخص حول العالم في الوقت الحاضر في مناطق تعاني من الإجهاد المائي، مع توقعات بأن تتزايد تلك الأعداد لتصل إلى نصف سكان العالم بحلول عام 2050 إذا لم تتخذ أي إجراءات.

ورغم أن المياه في حد ذاتها لم تكن سبباً في نزاع عسكري فإنها يمكن أن تضفي شراسة على نزاعات قائمة بالفعل، بدليل أنه في بداية الحرب الأوكرانية دمّرت روسيا السد الذي أقامته أوكرانيا على نهر «دنيبر» لتحويل مجراه من شبه جزيرة القرم إلى مدينة خيرسون بعد ضم روسيا للقرم في 2014، بما يبرهن أن استخدام المياه كسلاح في الحروب يمكن أن يترك بلا شك آثاراً مدمرة على المدنيين.

ووفق معهد المحيط الهادي هناك أكثر من 200 حالة نزاع متعلقة بالمياه منذ عام 2020 مقارنة بـ 629 حالة في العقد السابق بأكمله، فيما تعد أسيا أكثر النقاط سخونة، إذ تضم أكبر عدد من النزاعات، وأقوى نمواً في الصراعات خلال الآونة الأخيرة، ويري الرئيس الفخري للمعهد، بيتر جليك، أن الدفع بمزيد من التوتر على السطح نتيجة تغييرات المناخ مسألة وقت، في وقت تتزايد النزاعات على المياه في معظم مناطق العالم.

الباحث السياسي السعودي في العلاقات الدولية، المستشار سالم اليامي، يقول في تصريحات خاصة، إن الطموحات الجيوسياسية تقف وراء تلك النزاعات، لافتاً إلى أن أهل السياسة عجزوا عن إيجاد حلول، لا سيما أن الدول الفاعلة القوية تنأى بنفسها عن تلك المسائل، ما يرجح أن تصبح هذه المشاكل مهددة لحياة الناس نتيجة نقص الثروة والغذاء.

إيران وتركيا.. بؤر توتر قابلة للانفجار

تتعدد بؤر التوتر الخاصة بنزاعات المياه، غير أن هناك نزاعات تنذر بانفجار وشيك ما لم تتخذ الدول المتشاركة في مجرى المياه خطوات جادة لمنع الانفجار، تأتي على رأس تلك البؤر تركيا وإيران، إذ دخلت الدولتان في خلاف حول عدد لا يُحصى من القضايا في السنوات الأخيرة، بداية من حرب النفوذ داخل سوريا والعراق وحتى مشاكل اللاجئين ومحاربة الإرهاب، غير أن مشكلة المياه العابرة للحدود بين الدولتين ربما تنطوي على إمكانية تصعيد حالة التوتر بينهما، ورغم اقتصار التوتر على القنوات الدبلوماسية لا سيّما مع تبادل الاتهامات بين وزراء خارجية الدولتين، فإن تصاعد اللهجة ينذر بصدام وشيك.

وتتهم إيران سد «إلبسو» التركي على نهر دجلة الذي افتتح العام الماضي بأنه يشكل مخاطر بيئية ليس على العراق فحسب بل على إيران أيضاً، وادعت أنه المتسبب في العواصف الترابية والجفاف، غير أن وزير الخارجية التركي نفى تلك المزاعم، مؤكداً أن أفريقيا والشرق الأوسط مصدران للعواصف الترابية التي ازدادت نتيجة إزالة الغابات، التصحر، وتغير المناخ.

تواجه إيران عائق أكبر في نزاعها مع تركيا، يكمن في أن الأخيرة ليست ضمن الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك لعام 1997 بشأن الاستخدام غير الملاحي للمياه العابرة للحدود، الأمر الذي يمنع طهران من مقاضاة أنقرة دولياً، هذا العائق قد تواجهه العراق بدورها إذا أرادت مقاضاة طهران، لا سيّما عقب السياسة المائية التي تتبعها الأخيرة، والتي تثير سخط العراق رغم محاولات إيران الحثيثة لإظهار الدفاع عنها خلال حديث وزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان.

الباحث التركي المتخصص في الشأن الإيراني، عاطف كسكين يقول إن قضية المياه تكمن وراء العديد من المشاكل بين تركيا وإيران، بما في ذلك التسهيلات الإيرانية للمرور غير القانوني للاجئين الأفغان إلى تركيا، مشيراً إلى أن إيران ارتكبت أخطاء جسيمة في إدارة مواردها المائية، محاولة التستر على الأمر عبر تحويل الغضب الشعبي نحو تركيا.

وحول سبل عكس الضرر وإيجاد حلول قبل فوات الآوان يشير «اليامي» إلى أن الحل يكمن في اللجوء للمنظمات الدولية لتجديد وتطوير الاتفاقيات الدولية المنظمة الخاصة بتقسيم حصص المياه في ما يُسمى بالأنهار العابرة للحدود، لافتاً إلى أن العودة لأسس القانون الدولي أحد الأوجه للحد من تطور النزاعات وربما صراعات مسلحة، غير أن بعض مشاكل توزيع المياه في بعض الدول مثل العراق مرشحة لبروز صراع ربما يتبلور في المستقبل.

الصين.. موطن لما يقرب من 30 ألف سد

تسعي الصين إلى خلق «هيمنة مائية» عبر السيطرة على اقتصاد المياه والبيئة داخل جنوب، وجنوب شرق أسيا من خلال متابعة سلسلة من مشاريع السدود الضخمة فوق الأنهار في التبت - يطلق عليها «سقف العالم» حيث يتجاوز معدّل ارتفاعها من مستوى سطح البحر 4500 م- التي منذ أن احتلتها الصين عرقلت التدفق الطبيعي لأنهار عبر اتباع سلسلة من السياسات البيئية والتنموية غير المدروسة.

ووفقاً لتقرير تناوله « THE ECONOMIC TIMES» فإن الصين موطن لما يقرب من 30 ألف سد، ما يعد أكبر من العدد الإجمالي للسدود في باقي أنحاء العالم، ونتيجة هذا العدد الهائل من السدود بدأت العديد من الدول خاصة الموجودة في مناطق المصب بالتعبير عن مخاوف بشأن الآثار الجيوسياسية الناتجة عن الرغبة الصينية في إنشاء تلك السدود، خاصة الهند الجار الجنوبي للصين، لا سيّما وأن خطط الصين الأخيرة ببناء سد ضخم على نهر براهمابوترا يهدد اقتصاد المياه والبيئة داخل الهند وبنجلاديش حال استكماله، وأصبح الوضع البيئي والأمني الناجم عن تلك السدود أكثر خطورة بسبب حقيقة أن جميع الدول المُشاطئة للصين تقريباً باستثناء الهند، تُعد دولاً ضعيفةً اقتصادياً وتقنياً وغير مجهزة للتعامل مع أزمة المياه الناجمة عن بناء تلك السدود.

رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية، دكتور محمد عزالدين، يؤكد أن الاتفاقات الدولية المنظمة للمياه موجودة بالفعل، وهي اتفاقات أممية لا يمكن التلاعب فيها، مطالباً بضرورة دراسة الاتفاقات المائية وتطبيقها على أرض الواقع، خاصة أن التعاون المائي أولى للازدهار، ولدينا نماذج لدول استطاعت الخروج من حالة النزاع إلى حالة الاتفاق والتنمية.

إقرأ أيضاً..«التصعيد مقابل التصعيد».. 3 سيناريوهات أمام بوتين لاستخدام النووي التكتيكي

أفريقيا.. المركز الثاني في الصراعات المائية

جاءت أفريقيا في المركز الثاني لصراعات المياه وفق معهد المحيط الهادي، ويأتي سد إثيوبيا كأحد أهم تلك الصراعات داخل أفريقيا، إذ تسبب السد الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق إلى حالة من القلق داخل مصر، لا سيّما أنه يشكل مصدر رزق هام للبلاد عبر قرون. المفاوضات المتقطعة بين دول نهر النيل (مصر- السودان - إثيوبيا) لم تسفر عن نتيجة، فضلاً عن الجهود الدولية لمجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي، وذهبت إثيوبيا في تعنتها إلى الإعلان عن بدء الملء الثالث للسد دون الوصول إلى اتفاق ملزم للدول الثلاث وفق البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي منتصف سبتمبر الماضي الذي طالب باستئناف المفاوضات بين الدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي.

تونس دخلت على خط الأزمة باعتبارها العضو الأفريقي غير الدائم في مجلس الأمن، واعتبرت الأمن المائي المصري جزءاً أصيلاً من الأمن المائي العربي، وتقدمت بالفعل بقرار إلى مجلس الأمن يدعو أديس أبابا إلى التوقف عن اتخاذ إجراءات أحادية، غير أن هذا التدخل جعلها في مرمى انتقادات الجانب الأثيوبي، وهو الأسلوب الذي تتخذه دائماً ضد أي جانب يقف ضد بناء السد مدّعية أن السد يعد ضرورة لنهضة البلاد.

وحول مسارات التنمية المتبادلة يؤكد «عزالدين» أن النقل النهري يُعد المسار الآمن للخروج من الأزمات المائية، لا سيّما وأن إدخال مشروعات للنقل النهري بين الدول المتشاركة في مجري مياه الأنهار يضمن الاستقرار بينهما، لأنه يحول دون اعتداء دولة على أخرى بما يضُر بمصالحها الاقتصادية نتيجة وقف التجارة على النهر، فضلاً عن إمكانية اتحاد تلك الدول لمواجهة التغير البيئي الذي يشكل عوائق أمام سقوط الأمطار، بما يخدم دول المنبع والمصب.

ويقترح إقامة صندوق سيادي لإدارة الأنهار المشتركة يتم تمويله من خلال الدول المشتركة على النهر، على أن يكون له مطلق الحرية في اتخاذ الإجراءات التي تخدم الأطراف كافة، لافتاً إلى أن إعادة الاتفاقات أو اقتسام المياه أمر غير مطروح، غير أن إدارة المياه تعد مطروحة بشدة، لذا لا بدّ من خلق آلية للتعاون بين الدول ونقل الخبرات حتى تنعم كل الشعوب بأنهارها.