السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

قمة الأمريكتين.. تنافس في الحدائق الخلفية

قمة الأمريكتين.. تنافس في الحدائق الخلفية

شكوك حول رغبة واشنطن في دعم أمريكا اللاتينية. (أ ف ب)

جاء غياب الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، عن القمة التاسعة للأمريكتين، التي تستضيفها مدينة لوس أنجلوس، ليرسم مرحلة جديدة من التحديات التي يواجهها الرئيس جو بايدن، في منطقة شكلت على الدوام الحديقة الخلفية للأمن القومي الأمريكي منذ إعلان الرئيس الأمريكي الخامس، جيمس مونرو في 2 ديسمبر 1823 مبدأ «مونرو» الذي كان يستهدف عدم تدخل قوى أجنبية من خارج نصف الكرة الغربي في شؤون أمريكا اللاتينية، وذلك عبر الحفاظ على علاقات خاصة وقوية بين دول وشعوب الأمريكتين.

ويدور الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية، بسبب إصرار بايدن على تقسيم أمريكا اللاتينية إلى فريقين؛ الأول يمثل الدول الديمقراطية من وجهة النظر الأمريكية، والثاني يضم 3 دول أصر البيت الأبيض على استبعادها من القمة بدعوى أنها دول غير ديمقراطية، وهي كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، وتسبب هذا في عدم حضور الرئيس المكسيكي للقمة، بعدما طالب بحضور كل دول الأمريكتين دون استثناء، وتسبب هذا الأمر أيضاً في انتقادات علنية لهذه السياسة من جانب الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز قبل أن يتوجه إلى مؤتمر لوس أنجلوس.

كما تواجه الولايات المتحدة تحدي عدم قناعة شعوب أمريكا اللاتينية بجدية واشنطن في دعم هذه الدول، للتغلب على مشاكل مثل الهجرة غير الشرعية، وزيادة معدلات الفقر، وتهريب المخدرات.

ورغم أن بايدن تحدث عن شراكة اقتصادية مع أمريكا اللاتينية، إلا أن عدم الإعلان عن مشروعات بعينها، أدى لشكوك كثيرة، حول رغبة أو قدرة واشنطن على تقديم الدعم لشعوب أمريكا اللاتينية، وهو ما عبر عنه الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، عندما قال «إذا لم تأتِ التنمية من الشمال، فسوف يزحف الفقر من الجنوب».

فما هي آفاق العلاقات بين واشنطن وجيرانها في نصف الكرة الغربي؟ وهل الزخم والحضور الصيني والروسي في أمريكا اللاتينية، يقطع الطريق على البيت الأبيض لاستعادة علاقات كان ينبغي أن تكون الأفضل طبقاً لوصايا جورج واشنطن وجيمس منرو؟

الأخيار والأشرار

أعلنت إدارة بايدن أن «الالتزام بالديمقراطية سيكون عاملاً رئيسياً لمعرفة من المدعو لقمة الأمريكتين، ومن ليس كذلك»، وفق ما نقلت وكالة «أسوشيتد برس»، كما أن كلمة بايدن في قمة لوس أنجلوس جاءت استمراراً وتأكيداً للنهج الذي وضعته الإدارة الأمريكية بتقسيم العالم إلى أخيار ديمقراطيين، وأشرار غير ديمقراطيين، وأن ما يسمى بـ«تحالف القيم»، الذي يبنيه بايدن في شرق أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وصل إلى المحطة اللاتينية عندما قال أمام قمة الأمريكتين «تتعرض الديمقراطية للهجوم في جميع أنحاء العالم، لنتحد مرة أخرى ونجدد قناعتنا بأن الديمقراطية ليست السمة المميزة فقط.. الديمقراطية هي المكون الأساسي لمستقبل الأمريكتين».

هذا المفهوم يتعارض ليس فقط مع كوبا وفنزويلا ونيكاراغو، التي رفض البيت الأبيض حضورها، بل مع دول أخرى، بها حكومات ذات طابع يساري، مثل الأرجنتين وبوليفيا وهندوراس، التي لا تروق لها الديمقراطية بالنسخة الأمريكية، ولهذا قال الرئيس البوليفي لويس آرسي تعليقاً على قمة الأمريكتين «إذا أرادوا تنظيم اجتماع بين أصدقاء، فليفعلوا، لكن لن يتمكنوا من تسميتها قمة الأمريكتين»، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

كما أن منظمة «ألبا» التي تضم دولاً من أمريكا اللاتينية، تعارض التوجهات الأمريكية، وعقدت قمة لها في 27 مايو الماضي، قبل قمة الأمريكتين، تأكيداً على اختلافها مع النهج الذي يروج له الرئيس بايدن، وكانت منظمة «ألبا» قد تأسست عام 2004، رداً على إنشاء منطقة التجارة الحرة للأمريكتين بدعم واشنطن، وتضم «ألبا» فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وبوليفيا والدومينيكان وأنتيغوا وباربودا وسانت فنسنت وسانت لوسيا وسانت كريستوفر ونيفيس، وغرينادا.

شراكة اقتصادية

وتحاول الولايات المتحدة تدارك الأخطاء التي حدثت مع أمريكا اللاتينية خلال العقدين الماضيين، بتقديم ما أسماه بايدن بـ«الشراكة الاقتصادية»، التي تهدف في المقام الأول إلى تحسين الأوضاع المعيشية في أمريكا اللاتينية، حتى تتراجع معدلات الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة، وعبر الحدود المكسيكية الأمريكية، وهو تحدٍ داخلي للرئيس بايدن، وللحزب الديمقراطي، الذي تعهد بتقديم رؤية للهجرة أكثر إنسانية من استراتيجية الرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت تهدف لبناء جدار فاصل بين المكسيك والولايات المتحدة.

ورغم عدم تلبية الولايات المتحدة للاحتياجات الطبية واللقاحات أثناء ذروة جائحة كورونا في أمريكية اللاتينية، إلا أنها تحاول استدراك هذا الأمر، بمبادرة صحية تعمل على تحسين مهارات 500 ألف عامل في الأطقم الصحية في دول الأمريكتين، وتخصيص 1.9 مليار دولار، بالإضافة إلى 1.2 مليار دولار تم الإعلان عنها العام الماضي، بهدف خلق فرص عمل في ما يطلق عليه بالمثلث الشمالي الفقير، والذي يضم السلفادور وغواتيمالا وهندوراس، وهو المثلث الذي ينطلق منه العدد الأكبر من المهاجرين من الجنوب للشمال، بحسب دائرة الهجرة الأمريكية، التي قالت إنها تستعد لموجة كبيرة من الهجرة بداية من 23 مايو الماضي بعد إلغاء العمل بالباب 42 من قانون الهجرة، والذي كان قد أعطى لسلطات الهجرة والحدود الأمريكية، صلاحيات إضافية، لمنع المهاجرين من دخول الولايات المتحدة أثناء جائحة كورونا، ورغم ذلك تم احتجاز نحو 7800 مهاجر يومياً، خلال الفترة الماضية من عام 2022، وهو ما يعادل نحو 5 أضعاف المعدل البالغ 1600 مهاجر يومياً، بين عامي 2014 – 2019، قبل تفشي الجائحة، وفق ما قاله وزير الأمن الداخلي الأمريكي أليخاندرو مايوركاس، الذي استبعد الوصول إلى 18 ألف مهاجر يومياً خلال الشهور القادمة.

تراجع النفوذ

وأكبر مؤشر على تراجع نفوذ الولايات المتحدة، في دول أمريكا اللاتينية، رفض غالبية هذه الدول موقف الولايات المتحدة من الصراع الروسي الأوكراني، وهو ما كشفته وزارة الخارجية الروسية، التي قالت في بيان «يمكن ملاحظة أن وزارة الخارجية الأمريكية مستاءة بشكل متزايد من الموقف المستقل لدول أمريكا اللاتينية، التي ترفض الانضمام للعقوبات ضد روسيا، ولديها رؤيتها الخاصة للأزمة الأوكرانية، والغرض هو ترهيب دول أمريكا اللاتينية، وتهديدها بفرض قيود عليها، كعقوبة لعدم الانضمام للحملة المعادية لروسيا»، وهو موقف كرره نائب وزير الخارجية الأمريكي، بريان نيكولز، عندما قال «الولايات المتحدة تتوقع من جيرانها في نصف الكرة الغربي الامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا ومؤسساتها المالية».

وعندما حدث خلاف داخلي بين حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والمعارضة بقيادة خوان جوايدو، الذي اعترفت به الولايات المتحدة زعيماً للبلاد، عملت موسكو على تعزيز شراكتها الأمنية ووجودها في أسواق السلاح بأمريكا اللاتينية، من خلال صفقات الأسلحة الضخمة مع كاراكاس.

وسبق لموسكو أن أرسلت أسلحة متقدمة إلى فنزويلا خاصة في أعوام 2008 و2013 و2018، وفي عام 2019 قامت بإرسال قاذفات القنابل ذات القدرة النووية بالإضافة إلى 100 جندي، وبعض المتعاقدين مع شركات الأمن الخاصة الروسية، لحماية نظام الرئيس مادورو، بحسب وكالة تاس الروسية، التي قالت إن معدل التجارة بين روسيا وأمريكا اللاتينية زاد بنسبة 44% في الفترة من عام 2006 إلى عام 2016، لتصل إلى 12 مليار دولار.

اقرأ أيضاً.. محادثات توسيع الاتحاد الأوروبي.. هل أصبح الحصاد مستحقاً؟

كذلك، يزداد التقارب السياسي والاقتصادي بين دول أمريكا اللاتينية والصين، التي حلت محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية، فالصين منذ عام 2018، أصبحت هي الشريك التجاري الأول لأمريكا اللاتينية، عندما بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين نحو 306 مليارات دولار أمريكي، كما بلغ إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي في نفس العام نحو 129.8 مليار دولار أمريكي.

كما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ أمريكا اللاتينية 11 مرة منذ عام 2012، بينما ذهب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبق إلى هناك 12 مرة، ولم يذهب دونالد ترامب سوى مرة واحدة، وجو بايدن لم يزر أمريكا الجنوبية على الإطلاق حتى الآن، وفي الوقت التي كانت الولايات المتحدة مشغولة بجائحة كورونا، كانت الصين توزع اللقاحات على شعوب أمريكا اللاتينية.

المؤكد أن تأثير الصراع الروسي الأوكراني وصل إلى الأمريكتين، ليس فقط بالاستقطاب بين الولايات المتحدة ومعارضيها في نصف الكرة الغربي، بل أيضاً بسعي محدود للغاية من جانب، للانفتاح التدريجي على كوبا، والسماح برحلات تجارية خارج هافانا، وأيضاً للاستفادة من نفط فنزويلا، التي لديها أكبر احتياطي مؤكد من النفط في العالم، وفق سينثيا أرنسون، مديرة برنامج أمريكا اللاتينية في مركز ويلسون بواشنطن.