الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تجنيس الأوكرانيين.. حصان طروادة الروسي في مفاوضات ما بعد الحرب

تجنيس الأوكرانيين.. حصان طروادة الروسي في مفاوضات ما بعد الحرب

شوكة دائمة في خاصرة أوكرانيا.

منحت السلطات الروسية جوازات سفر إلى مواطنين من أوكرانيا في خطوة وصفها البعض بـ«روسنة» لتلك المناطق، وسط محاولات الطرفين لتحسين شروط التفاوض المقبلة بما يضمن تحقيق نقاط على حساب الطرف الآخر. وأثار تجنييس مدينة خيرسون تحديداً -التي أكد الكرملين أن مواطنيها وحدهم من سيقررون مصيرها- اهتمام وزارة الدفاع البريطانية التي أوضحت أن السيطرة على خيرسون تمنح روسيا إمكانية إقامة جسر بري إلى شبه جزيرة القرم.

التقارب الثقافي

وتعيد هذه الخطوة فكرة التأثير القوي للتقارب الثقافي بين الدولتين على أي مفاوضات مقبلة لصالح روسيا، وفقاً لخبراء، معتبرين أن الأمور مفتوحة بقوة على كافة الاحتمالات بما في ذلك تراجع روسيا عن عملية تجنيس الأوكرانيين وضم الأراضي التي يعيشون عليها، ومنح تلك المناطق حكما ذاتيا ليشكلوا شوكة دائمة في خاصرة أوكرانيا.

من جانبها، أكدت السلطات في مدينة خيرسون الجنوبية المعينة من قبل موسكو، أنها تخطط لمطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم المنطقة رسمياً إلى روسيا، فيما رد الكرملين بأن السكان المحليين يجب أن يقرروا مصيرهم، في وقت بدأت روسيا تقوم بالفعل بإدخال عملتها الخاصة، ووسائل الإعلام وخدمات الإنترنت إلى خيرسون وأجزاء أخرى من أوكرانيا سيطرت عليها بالفعل. وفق تقرير نشرته «بي بي سي».

وسيلة ضغط

الخبير المتخصص في الشأن الروسي، دكتور نبيل رشوان، يرى أن تسليم جوازات سفر إلى مواطني بعض المناطق الأوكرانية وسيلة ليست جديدة من وسائل الضغط، إذ استخدمتها روسيا عقب القلاقل التي حدثت في دونباس في 2014، الأمر الذي ساعدها في تبرير عمليتها العسكرية الراهنة، مؤكداً أن الأمر ذاته فعلته في أبخازيا عام 2002 ثم أوسيتيا الجنوبية 2008، كنوعٍ من الضغط السياسي ومقدمة لأي تدخل روسي محتمل لتلك المناطق حتى إذا حصلت على الاستقلال، منوهاً بأن «روسنة» تلك المناطق بمثابة «حصان طروادة» في يد روسيا لتبرير أي تدخل روسي حال إخلال أوكرانيا بأي اتفاق قد يتم التوصل إليه في المستقبل.

وفيما يخص فرض أمر واقع من وجهة النظر الروسية داخل تلك المناطق يقول «رشوان» إن الأمر ذاته حدث في القرم بعد أن سيطرت روسيا عليها، مشدداً على أن تحول مواطنين من أوكرانيا إلى الجنسية الروسية سيكون أمراً واقعاً، خاصة إذا أجري استفتاء أقر خلاله مواطنو تلك المناطق الانضمام لروسيا، بما يفوض موسكو للتحدث باسمهم، منوهاً بأن الغرب لا يعترف بتلك الإجراءات، لا سيما وأنه لن يسمح بالسفر عبر الجواز الروسي إلى دول الغرب، الأمر الذي من شأنه أن يقوض جهود الوساطة الدولية بين أوكرانيا وروسيا إذ تعتبر الأولى أنه تم ضم تلك الأراضي عنوة. ولفت إلى أن التقارب الثقافي بين الدولتين سيكون له تأثير قوي على أي مفاوضات مقبلة لصالح روسيا.

نظرية هنري كسينجر

ويؤكد رشوان أن مسألة تنازل أوكرانيا التي طرحها هنري كسينجر عن بعض المناطق واردة، لكن ليس بمعني التنازل التام، بل عبر منح تلك المناطق صلاحيات واسعة في إطار فيدرالية أوكرانية، لافتاً إلى أن كل تلك الأمور ستظل مطروحة أثناء مناقشات السلام التي من المفترض أن تنهي الأزمة الروسية - الأوكرانية، مشيراً إلى أن الغرب يسيطر على أي مفاوضات وتحديداً الولايات المتحد وبريطانيا وبولندا، لذا فإن أي حل سياسي لا بد أن يمر عبر تلك الدول الثلاث، مشيراً إلي أن كل من الطرفين يسعي لأن تكون له الغلبة على الأرض بما ينعكس على أوراقه التفاوضية على الطاولة.

لم تكن خطوة منح بعض مواطني أوكرانيا جوازات سفر روسية حديثة، ففي أواخر أبريل 2019 وقّع الرئيس بوتين مرسوماً يسهّل على أولئك الذين يعيشون في المناطق الانفصالية بشرق أوكرانيا الحصول على جواز سفر روسي، مستهدفاً الأشخاص الذين يعيشون في جمهوريات دونيتسك ولوهانسك، التي باتت تحت سيطرة القوات المدعومة من روسيا بعد أن ضمت الأخيرة شبه جزيرة القرم، في خطوة وصفها وزير الخارجية الأوكراني حينها، بافلو كليمكين، بأنها استمراراً للتدخل في الشأن الأوكراني.

سيطرة روسية

ووفق تقرير لـ«نيويورك تايمز»، فإن روسيا باتت تحرز تقدماً في المدن التي سيطرت عليها، بما في ذلك ميناء ماريوبول على البحر الأسود، إذ شرعت في إقناع السكان الباقين بأن مستقبلهم يكمن مع روسيا، وأصبح المواطن الأوكراني داخل تلك المناطق وفي مدن مثل خيرسون وميليتوبول يواجه خيارات ضئيلة في حال أراد العمل، إذ يجب أولاً أن يحصل على جواز سفر روسي. في السياق ذاته، أشار الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، دكتور أشرف الصباغ، إلى أن روسيا تسعى بهذه الخطوة إلى ضم مناطق من أوكرانيا بسكانها، لتصنع أمراً واقعاً جديداً يدفع إلى سياسة الحافة من جهة، ويشكل نقطة الصفر في أي مفاوضات مقبلة من جهة أخرى، متفقاً مع سابقه في احتمالية تراجع روسيا عن عملية تجنيس الأوكرانيين وضم الأراضي التي يعيشون عليها، وتمنحهم حكماً ذاتياً فيما بعد ليشكلوا شوكة دائمة في خاصرة أوكرانيا.

وأشار إلى أن عملية التجنيس ربما جاءت كنوع من فرض الأمر الواقع قبل الشروع في مفاوضات وقف إطلاق النار، لافتاً إلى أن روسيا لن تتنازل عن مناطق مثل شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول باعتبارهما منفذين مهمين لروسيا إلى المياه الدافئة على البحرين الأسود والأبيض المتوسط، وبدونهما يمكن أن تختنق روسيا، خاصة وأن روسيا «البوتينية» تسعى أيضاً إلى تحويل بحر آزوف إلى بحيرة روسية داخلية، ومن ثم التوجه للتعامل وفق نسق معين مع «أوديسا»، بما يضمن سيطرة روسيا الكاملة على كافة المنافذ البحرية الأوكرانية. واستبعد أن تساوم موسكو على القرم وسيفاستوبول وخيرسون وزوبوروجيا، منوهاً بأنها وضعت ضمن شروطها لكييف، بأن تعترف الأخيرة بروسية القرم وسيفاستوبول إلى الأبد، وأن تعترف أيضاً بانفصال دونيتسك ولوهانسك.

اقرأ أيضاً.. 100 قتيل في أحدث موجة عنف قبلي بإقليم دارفور السوداني

وتطرق الصباغ إلى أنه حتى الآن لا توجد أي وساطات دولية قادرة على إدارة الحوار، مشيراً إلى أن كل ما يتم تداوله من أنباء حول وساطات مجرد عروض لـ«غسل الأيدي»، لا سيما وأن غالبية الأطراف التي تُبدي استعدادها للوساطات لا تعرف نوايا النخبة القومية في موسكو وليس لديها أي فهم لطبيعة تركيبة السلطة وتوجهاتها في كييف.

ورجّح وجود رغبة في تفسير كلام كيسنجر بشكل غير دقيق أو بشكل خاطئ، لا سيما وأن بوتين بدأ بالفعل في ضم أراضٍ أوكرانية قبل أن يتحدث كيسنجر عن الأمر، لافتاً إلى أن كيسنجر لا يقصد إطلاقاً منح روسيا تلك الأراضي وإغلاق الملف، خاصة وأنه أحد مهندسي هزيمة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة بدون إطلاق رصاصة واحدة. وبالتالي، يجب أن نضع كلامه في سياقه الصحيح والمنطقي القابل للفهم، إذ إنه يدعو إلى عدم الاهتمام بما تضمه من أراضٍ بقدر ما يجب أن تتواصل عمليات الاستنزاف بهدوء ومن دون مواجهات عسكرية مباشرة ليس لإخراج روسيا من أوكرانيا فحسب، بل لحد طموحاتها وتقليم أظافرها، من دون هزيمة كاملة أو مذلة، لأن الغرب بحاجة إلى روسيا بمواصفات معينة للقيام بأدوار في أفغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز، كما حدث طوال ما يقرب من 20 عاماً بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة وانهياره وتفككه.