الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«الإيغور».. مأساة تائهة بين «الحرب الدعائية» و«غسل الأدمغة»

اعتبرت آسيا عبدالله إحدى نساء إقليم شينجيانغ التي تمكنت من تسريب مئات الوثائق عن ممارسات الصين بحق مسلمي الإيغور أن ما يحدث في الإقليم «أشبه بالمحارق النازية بحق اليهود».

وقالت آسيا عبدالله لشبكة «بي بي أس» في أول ظهور تلفزيوني لها، بعد أن سربت وثائق نشرتها العديد من وسائل الإعلام العالمية من بينها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن مسلمي الإيغور ليسوا إرهابيين، ولكنهم ضحايا المصالح الخاصة للحزب الشيوعي الصيني، وإن ما يحدث من إبادة جماعية بحقهم يعتبر تكراراً لما حصل مع اليهود «عندما تم إحراقهم خلال الحرب العالمية الثانية» على حد قولها.

وأضافت آسيا، التي وصفتها الشبكة الأمريكية بالمعارضة وأنها على قائمة المطلوبين في الصين، أنها فقدت الاتصال بالمصدر الذي سرب لها الوثائق التي تظهر انتهاكات ترتكبها بكين بحق مسلمي الإيغور في الإقليم الواقع أقصى شمال غرب الصين، فيما عرف بمعسكرات «غسل الأدمغة» لتغيير هوية مسلمي هذه العرقية، بينما تواصل الصين النفي معتبرة أن هذه التقارير تندرج في إطار «الحرب الدعائية» ضدها.


الدفعة الجديدة من الوثائق تكمل ما نشرته نيويورك تايمز في نوفمبر الماضي قائلة إنها 400 صفحة من المراسلات الداخلية بين رجال الحزب الشيوعي وحصلت عليها عن طريق أحد أعضاء الحزب، وتعطي لمحة لم يسبق لها مثيل عن حملة منظمة وضعتها السلطات لاعتقال جماعي للسيطرة على أقليات شينجيانغ وأغلبهم من عرقية الإيغور وآخرين من جذور كازاخستانية على مدى السنوات الثلاث الماضية.


كانت آسيا (47 عاماً) موظفة حكومية في أورومتشي عاصمة الإقليم، وفرت إلى هولندا 2009، بعد اشتباكات عنيفة بين الإيغور والأغلبية الصينية الهانية، وحصلت على اللجوء في هولندا.

وتقول «بي بي أس» إن آسيا عبدالله هي التي سربت وثائق لوسائل الإعلام العالمية حصلت عليها عن طريق مصدر قالت إنه ضحى بحياته، دون تفاصيل، وتكشف هذه الوثائق عن الأساليب الصينية المتبعة ضد عرقيتها، إذ يتم احتجازهم في معسكرات ويخضعون للعقاب وغسل أدمغة، وصولاً إلى إخفائهم وقتلهم، كما تقول.

الصين من جهتها ترفض كل التقارير التي تتحدث عن اضطهاد هذه العرقية وتؤكد أنها تسعى إلى إعادة تأهيل سكان الإقليم مهنياً وسياسياً للقضاء على الإرهاب ومنع انتشار التطرف وتوفير وظائف لهم.

وتتعامل القيادة الصينية بسرية تامة فيما يتعلق بالإقليم الحدودي الغني بالموارد وتزيد مساحته على مليون و600 ألف كم. وكان يمر عبره «طريق الحرير القديم». وتسعى الصين لإحياء طريق الحرير كمشروع اقتصادي ضخم، تطلق عليه مبادرة الحزام. ويعتبر الإقليم ثاني أكبر إقليم منتِج للنفط في الصين، إضافة إلى الغاز الطبيعي، والفحم والرصاص والزنك.

وتشكل الأقليات العرقية ذات الأغلبية المسلمة أكثر من نصف سكان المنطقة البالغ عددهم 25 مليون نسمة من بين تعداد الصين البالغ أكثر من مليار و300 مليون نسمة. وأكبر هذه المجموعات هم الإيغور الذين يتحدثون اللغة التركية ويواجهون منذ فترة طويلة التمييز وقيوداً على الأنشطة الثقافية والدينية.

الصين ترى أن المسألة يتم استغلالها سياسياً، حيث دأبت واشنطن على إثارة القضية كورقة في حربها التجارية مع الصين، حيث تشدد أمريكا على أن ما تسميه الصين برامج تأهيلية ماهي إلا مراكز اعتقال جماعي يمارس فيها التعذيب بحق أكثر من مليون إيغوري عبر نظام سري صارم تتحكم فيه بكين بحياة هؤلاء الشباب عبر التتبع والمراقبة المستمرة.

في 30 ديسمبر الماضي نشرت نيويورك تايمز تقريراً جديداً مدعماً بفيديو تم تسريبه من داخل أحد المعسكرات الصينية لمسلمي الإيغور، وقالت إن الحزب الشيوعي يرغب في إعادة تشكيل أقليات شينجيانغ ليجعل منهم عمالاً موالين لتزويد المصانع الصينية بالعمالة الرخيصة.

وقالت الصحيفة إنه توجد أوامر صريحة وعاجلة من المسؤولين بضرورة دفع القرويين من الأقلية المسلمة إلى الوظائف طوعاً أو كرهاً، وسيتم معاقبة العائلات التي ترفض دخول أبنائها هذه المعسكرات لتعلم حرف صناعة الأحذية أو الملابس أو تنظيف الشوارع عبر برامج تدريبية تمتد لأشهر مخصصة للشباب في سن العمل من الإيغور أو الكازاخستانيين، ومن ثم إلحاقهم بوظائف.

وتصف الحكومة الصينية العمال بأنهم متطوعون، لكن المراقبين يقولون إنهم يدخلون هذه المعسكرات مكرهين. وتشير الوثائق الرسمية والمقابلات مع الخبراء التي أجرتها نيويورك تايمز في شينجيانغ إلى أن السلطات الصينية تقتلع القرويين من جذورهم وتقيّد تحركاتهم وتضغط عليهم للبقاء في هذه المعسكرات ومن ثم الوظائف، بينما تؤكد الحكومة أنهم يمثلون «عمالة ريفية فائضة» تهدد الاستقرار الاجتماعي، قائلة إن وضعهم في عمل ثابت تحت إشراف الحكومة سيؤدي إلى محو الفقر ومنع التطرف الديني والعنف العرقي.

في سبتمبر 2018، نشرت نيويورك تايمز تقريراً آخر يسرد ما يدور داخل معسكرات التأهيل، نقلاً عن بعض الأفراد الذين مكثوا بها لفترة، قائلة إن المئات من مسلمي الإيغور يقضون أيامهم في برنامج تلقين، حيث يجبرون على الاستماع إلى محاضرات، وغناء أناشيد تمدح الحزب الشيوعي الصيني عبر نظام عسكري منضبط. وقالت الصحيفة إن الهدف هو محو انتمائهم للإسلام.

ونقلت الصحيفة شهادة أحد مسلمي الإيغور الذي قضى فترة داخل أحد المعسكرات، يدعى عبدالسلام محمد (41عاماً)، والذي قال إنه اعتقل من قبل الشرطة بسبب تلاوته القرآن في جنازة، وقضى شهرين في معسكر قريب، وتم توجيه أوامر له و30 آخرين بالتخلي عن حياتهم السابقة، مشيراً أنه حاول التماشي مع ما يطلبون دون اقتناع. وقال عن المعسكر إنه «لم يكن هذا مكاناً للتخلص من التطرف بل من شأنه أن يولد مشاعر انتقامية ويمحو هوية الإيغور».

ولكن السفير الصيني في لندن ليو شياو مينغ نفى هذه الاتهامات وغيرها مما ورد في الوثائق، وقال إن الصين تحترم دين الإيغور، وفقاً لما نقلته شبكة «بي بي أس»، رغم تأكيدها أن العديد من المساجد هٌدمت.

الإعلامي شريف المصري، الذي زار الإقليم عام 2018، ضمن دعوة صينية لعدد من الإعلاميين يقول في اتصال مع «الرؤية» إنه تم ترتيب زيارة للوفد إلى أحد المساجد لكنه لاحظ أن المسجد لا يوجد به مصلون ولا مصاحف ويبدو من حالته أنه مغلق. ولما استفسر من الإمام عن ذلك ارتبك وقال إنه تتم عملية صيانة للمسجد.

ويضيف المصري أن الإحساس الذي ينتابك بمجرد زيارة الإقليم هو أن الجميع تحت مراقبة مشددة، مشيراً إلى أن المسؤولين الصينين حرصوا على عدم السماح لنا بالتعامل مع السكان المحليين ومنذ البداية عملوا على تخويفنا من النزول الى الشارع خشية تعرضنا لعنف من جانب من وصفوهم بـ«الإرهابيين».