الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

مكتشف كورونا الجديد لـ«الرؤية»: الفيروس يقاوم كل المضادات

على ضفاف نهر اليانجستي الصيني، تقع عاصمة مقاطعة «هوبي» بوسط الصين. المدينة التي أصبح اسمها ملء السمع والبصر، في كل وكالات الأنباء العالمية، التي عرفت مدينة «ووهان» باعتبارها مصدر أحد أحدث الفيروسات من عائلة «كورونا» ذات الصيت السيئ صحياً.

كان الصباح بارداً بصورة اعتيادية في تلك المدينة. ففي ديسمبر تقل درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي في ووهان. وفي سوق الأسماك بوسط المدينة، انتعشت حركة البيع والتجارة، إذ إن سكانها البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة يفضلون تناول الأسماك ومنتجات البحار.

في مساء 12 ديسمبر من العام الماضي، توجه مواطن إلى مستشفى عام بسبب حمى شديدة أصابته برجفة قوية في الجسد وألم مبرح في العظام. في البداية فشل الأطباء في المستشفى الصيني في تحديد سبب وراء تلك الحمى والأعراض العنيفة. فقرروا جمع مجموعة من العينات من المريض وإرسالها إلى مختبر الصحة العامة الصيني. فجاءت النتيجة «صاعقة وصادمة».

كشفت التحاليل أن المواطن الصيني مصاب بنوع جديد من الفيروسات شديد العدوى ولم يُعرف سابقاً على الإطلاق. يشبه النوع الجديد مجموعة فيروسات «كورونا» المعروفة التي هزت العالم أخبار انتشارها قبل سنوات، قبل أن تنجح جهود العلماء في السيطرة على الوضع. لكن الاختلاف الرئيس في الفيروس الجديد، أنه مقاوم لكل مضادات الفيروسات المتاحة. وهنا بدأ الجميع ينتبهون لخطورة الوضع.

ورغم الأعراض العنيفة، وعدم قدرة الأطباء على تحديد دواء ناجع لعلاج المريض الصيني، ودون أي مقدمات، إلا أن الشاب الصيني المصاب بالمرض، خرج من المستشفى بسلام بعد زوال الأعراض واستقرار حالته، لكن هذه لم تكن نهاية الرحلة.



بداية الانتشار

في 15يناير 2020، وحسبما ورد في الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، أبلغ مركز الاتصال الوطني المعني باللوائح الصحية الدولية في جمهورية كوريا عن أول حالة إصابة بنفس النوع من الفيروس الذي أصاب الرجل الصيني في كوريا. كانت الحالة لسيدة صينية تبلغ من العمر 35 عاماً وتقيم في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في الصين. وصلت تلك السيدة إلى كوريا الجنوبية جواً.. ومع وصولها، تحول الأمر إلى مأساة.

في اليوم نفسه أبلغت وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية في اليابان عن حالة مؤكدة من الإصابة بالفيروس الجديد. المصاب هذه المرة رجل في الثلاثينات من عمره، يعيش في اليابان، لكنه سافر إلى ووهان في ديسمبر 2019، وأصيب بالحمى في 3 يناير 2020 أثناء إقامته هناك.

فحصت السلطات الطبية اليابانية المصاب، وتأكدت من أنه لم يزر سوق الجملة للأغذية البحرية في ووهان، الذي ترجح الصين بدء نشاط الفيروس منه، كما أن المصاب لم يزر أي سوق للحيوانات الحية في الصين. بالمقابل أشار المريض إلى وجوده في الصين مع شخص مصاب بالالتهاب الرئوي.

بعد ذلك، سُجلت حالات جديدة من الإصابة بالفيروس الجديد في تايلاند.. كما وصل الفيروس، الأربعاء، إلي الولايات المتحدة الأمريكية ليكون قد أكمل الرحلة من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى غربها. وحتى الآن تم تشخيص إصابة أكثر من 540 شخصاً في 6 دول بالفيروس، توفي منهم إلى الآن 17 شخصاً.



مكتشف الفيروس

أدى انتشار الفيروس لحالة طوارئ بين علماء الفيروسات، كان الجميع في سباق مع الزمن لعزل الفيروس ودراسته ومعرفة الوضع بشكل دقيق. وفي ذهن كل منهم موجات سارس.

نجح عالم الفيروسات في كلية الصحة العامة بجامعة هونغ كونغ «ليو بون»، في التعرف معملياً على الفيروس لأول مرة، ونجح كذلك في فك شيفرته الجينية.

تواصلت «الرؤية» مع العالم لتعرف تفاصيل أكثر عن الفيروس الذي رفع درجات الاستعداد الصحي في العالم.

يقول «بون»: «نحن أمام فيروس يشبه سارس إلى حد بعيد، وهو نوع جديد كلياً من سلالات فيروس كورونا. نجحنا في المعمل في عزل الفيروس، ودرسنا جيناته جيداً لكن الأخبار ليست سارة».

يضيف العالم في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»: «حين نجد فيروساً جديداً لا تكون هذه هي المشكلة الأساسية التي تواجهنا كعلماء، لكن المشكلة أن لدينا عدداً كبيراً من مضادات الفيروسات المعروفة. لذلك نبدأ بتجربة هذه المضادات ونراقب نشاط الفيروس. هذا عمل أساسي في المختبرات، كي نتأكد أن الوسائل التي في أيدينا كعلماء، تجدي نفعاً. لكن في الفيروس الحالي، فللأسف وجدنا مقاومة من الفيروس لكل مضادات الفيروسات المتاحة.. هذا أمر شديد الخطورة».



حدود الخطر

يستمر «ليو بون» وفريقه، فضلاً عن معامل الفيروسات حول العالم في البحث عن مضاد فيروسي يمكنه إيقاف «كورونا الجديد» أو «فيروس الصين الجديد» الذي ظهر في 6 دول.

يضيف «بون»: «حتى الآن لا نستطيع أن نحدد هل يتحول الفيروس الجديد لحالة تفشٍ وبائي أم لا. بالتأكيد لا نتمنى حدوث تفشٍ. لكن الجزم في هذه النقطة يحتاج لمزيد من الدراسات، وهو ما نقوم به حالياً، ليس فريقنا وحده لكن عدة معامل حول العالم تجتهد كل دقيقة بحثاً عن حل للسيطرة على الفيروس».

يخشى العلماء من الفيروس بسبب انتقاله من شخص لآخر، خاصة أن مثل هذه الطريقة في العدوى، قد تجعل الوضع أكثر صعوبة في السيطرة على الفيروس. يقول «بون» إن انتقال الفيروس بين الأشخاص «يجعل قدرة الفيروس على اختراق الحدود والوصول إلى مناطق أبعد، أمراً غير محدود، فبعد وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة، نستطيع أن نقول إن بوسعه الوصول إلى أي مكان، خاصة مع الدول التي تستقبل رحلات مباشرة من مدينة ووهان، لذلك فإن اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة خاصة في المنافذ الحدودية والمطارات، يمكن أن يقلل احتمالية وصول الفيروس، لكن بالتأكيد لا يوجد شيء مضمون بنسبة 100%».



المصدر الأصلي

تعد منظمة الصحة العالمية، فيروسات كورونا عائلة مكونة من زمرة واسعة من الفيروسات تشمل فيروسات يمكن أن تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تراوح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة. كما أن الفيروسات من هذه المجموعة تتسبب في عدد من الأمراض الحيوانية. ويقول «بون» إن النوع الجديد من الفيروس «هو كورونا من مصدر حيواني على الأرجح... انتقل من الحيوان إلي البشر، ثم انتقل بين البشر».

يتفق المتحدث الرسمي لمنظمة الصحة العالمية «طارق ياساريفيتش» مع رأي «بون» إذ قال في بيان صحافي - تلقت الرؤية نسخة منه - إنه بناء على المعلومات الحالية «يبدو أن الحيوانات هي المصدر الرئيس المحتمل».



قلق عالمي

يتسابق الباحثون لمعرفة المزيد عن الفيروس واكتشاف ما إذا كانت لديه القدرة على التسبب في تفشٍ مماثل لوباء 2002 ـ 2003 من متلازمة التنفس الحاد (السارس) والذي ظهر في جنوب الصين وقتل 774 شخصاً في 37 دولة.

فكلا الفيروسين، سواء سارس أو الفيروس الجديد، ينتميان إلى عائلة كبيرة تسمى عائلة فيروسات كورونا، والتي تشمل أيضاً الفيروسات الشائعة المسؤولة عن نزلات البرد.

لذا تشعر السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم بالقلق من احتمالات التفشي الغامض، وخاصة أن سفر الملايين لقضاء عطلة رأس السنة الصينية التي تبدأ الجمعة، قد ينشر الفيروس.

وبحسب دورية «نيتشر» العلمية، يُعد السؤال الأكثر إلحاحاً هو تحديد كيفية انتشاره الفيروس. وخاصة بعد أن أكدت السلطات الصينية أن بعض الحالات الناجمة عن انتقال العدوى حدثت بين البشر.

ويقول البروفيسور نيل فيرجسون، عالم الوبائيات بجامعة إمبريال كوليدج بالمملكة المتحدة «الشيء المهم في فهم آلية انتشار ذلك الفيروس هو معرفة إذا ما كان الفيروس ينتقل من شخص إلى آخر بكفاءة وسهولة وسرعة أم لا.. فإذا ما كانت حالة انتقال العدوى تحدث بشكل فردي فلا خوف من وجود تفشٍ وبائي».

كان ارتفاع معدلات الالتهاب الرئوي بين الأشخاص الأوائل المصابين بفيروس ووهان كبيراً. وهو الأمر الذي زاد من المخاوف حيال الفيروس، إلا أن تلك المخاوف تراجعت قليلاً مع ظهور حالات إصابة خفيفة ثم عادت للارتفاع حين بدأت معدلات الوفاة في الارتفاع. يقول «فيرجسون» إن الفيروس «ليس قاتلاً مثل سارس الذي قضى على حوالي 11% من الأشخاص المصابين به» مشيراً إلى أنه لا يزال من «المبكر جداً الحديث عن تفوق الفيروس الجديد في شدة الإصابة على سارس».



العودة إلى «ووهان»

تقول السلطات الصحية إن الفيروس تطور في حيوان مجهول الهوية، ثم انتشر إلى البشر من سوق كبير للحيوانات والمأكولات البحرية في ووهان. ويقول الباحثون إن تحديد المصدر الحيواني للفيروس يمكن أن يساعد في السيطرة على تفشي المرض الحالي وقياس تهديده. كما يحتمل أن يؤدي التعرف على المصدر إلى منع الأوبئة في المستقبل.

يشير التسلسل الوراثي إلى أن فيروس «ووهان» يرتبط بفيروسات التاج التي تنتشر في الخفافيش، بما في ذلك السارس وعائلته. ومن المعروف أن الثدييات بأنواعها قادرة على نقل فيروسات التاج، كما يرجح العلماء أن التفشي الوبائي السابق للسارس ربما انتقل إلى الإنسان بواسطة قطط من نوع الزباد.

وأغلقت السلطات الصينية سوق ووهان للمأكولات البحرية الحية. يبيع ذلك السوق أيضاً الحيوانات الحية. ويعمل العلماء الآن على تتبع إصابات الحيوانات في ذلك السوق المغلق، عبر إجراء الاختبارات على الحيوانات، وفحص الحاويات والأقفاص لعمل تحاليل من شأنها الكشف عن المادة الوراثية للفيروس. وهو الأمر الذي سيساعد دون شك في تحديد المصدر.



التسلسل الجيني

يقدم التسلسل الجيني لفيروس ووهان أدلة على أصوله وكيفية انتشاره. وحددت المختبرات في كل من الصين وتايلاند جينومات ما لا يقل عن 19 سلالة وجدت في الأشخاص المصابين، وهو أمر يصفه عالم الوراثة التطورية في مركز فريد هتشينسون «تريفور بيدفورد» بـ«الهام للغاية».

ويقول «بيدفورد» في تصريحات خاصة لـ«الرؤية» إن التسلسل الجيني لتلك السلالات يوضح «التشابه الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة التماثل في السلالات المختلفة». مشيراً في تصريحاته لـ«الرؤية» إلى أن ذلك التشابه يوضح وجود «جد مشترك للسلالات».

ويعتقد «بيدفورد» أن هدف العلماء سينصب في الفترة القادمة على معرفة إذا ما كان انتقال المرض قد حدث بصورة أساسية بين البشر وبعضهم البعض أم أن ما حدث من انتقال الفيروس من بشري لآخر «هو أمر عارض».

إلى الآن، لم تثبت فعالية أي أدوية سواء في علاج السارس أو الفيروس الجديد أو غيرها من العدوى التي تسببها الفيروسات التاجية عند البشر. ولم يتم إعطاء أي ترخيص أو موافقات لأدوية تهدف إلى منع الإصابة بالعدوى.

ويعمل العلماء حالياً على ابتكار أدوية تعمل على منع مستقبلات الخلايا البشرية التي يتمسك بها الفيروس ويستخدمها للانتشار. إلا أن تلك المحاولات لم تُجد نفعاً إلى الآن.



تحذيرات منظمة الصحة العالمية

وفي بيان صادر عن منظمة الصحة العالمية، تلقت «الرؤية» نسخة منه. دعت المنظمة لمجموعة من الإجراءات الهادفة لتقليل احتمالية العدوى، إذ أوصت بتجنب الاتصال الوثيق مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض تنفسية حادة، وغسل اليدين بصورة متواترة، لا سيما بعد الاتصال المباشر مع المرضى أو بيئتهم، وتجنب الاتصالات مع حيوانات المزارع أو الحيوانات البرية من دون حماية.

وقالت المنظمة في البيان إن الأشخاص الذين يعانون من أعراض مرض تنفسي حاد يجب عليهم أن يتقيدوا بالآداب المتعلقة بالسعال كالحفاظ على مسافة معينة، وتغطية الفم بأنسجة أو ملابس يمكن التخلص منها أثناء السعال والعطس، وغسل اليدين.

ولم توصِ المنظمة بعد بتطبيق أي تدابير صحية محددة على المسافرين، في حال ظهور أعراض توحي بالإصابة بمرض تنفسي حاد أثناء السفر أو بعده.

وشجعت المنظمة المسافرين على طلب العناية الطبية وإطلاع الجهة المقدمة للرعاية على سجل السفر الخاص بهم.