الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

القطبية الصينية.. حرب باردة جديدة وسط ارتباك أمريكي

القطبية الصينية.. حرب باردة جديدة وسط ارتباك أمريكي

ترامب فرض عقوبات استهدفت العديد من الشركات الصينية. (أ ب)

وكأن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تشأ أن تغادر قبل أن توجه لطمة جديدة إلى الصين، والتي باتت ممجوجة إلى حد المكروهة في الداخل الأمريكي، لا سيما بعد تفشي فيروس كورونا في الداخل على مدى يقرب من عام، وما أحدثه من خسائر على صعيد البشر والحجر.

قبل أن يترك ترامب البيت الأبيض، ألغى وزير خارجيته مايك بومبيو، كل القيود المفروضة منذ أعوام على تواصل المسؤولين الأمريكيين مع تايوان.



المثير في الأمر هو تصريح بومبيو في هذا السياق "الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد اتخذت تلك التدابير أحادياً إرضاء للنظام الشيوعي في بكين، غير أن هذا الأمر قد انتهى".

ما الذي يُفهم من التصريح الأخير؟

باختصار غير مخل، تأكيد للنظرة الأمريكية تجاه الصين، والتي باتت واشنطن تراها نظاماً شيوعياً، توتاليتاريّة، ولا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية بالمرة.

يتساءل البعض: هل ستتغير نظرة إدارة بايدن للصين، وهي ترى أن بكين باتت مهددة للأمن القومي الأمريكي، علانية تارة وسراً تارة أخرى؟ وليس من قبيل الكشف عن الأسرار القول إن الصينيين باتت لديهم الآن رغبة قوية في نشر النسق الشيوعي الخاص بهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وإن اتخذ الأمر بداية مظهر الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، ثم رويداً رويداً، تنامي التيار اليساري الراديكالي المتعاظم أخيراً في البلاد، ليصل في نهاية المشهد إلى شيوعية كاملة.



رؤية واضحة

المؤكد أن الدولة الأمريكية العميقة، الحاكم الفعلي للبلاد، لا تتأثر خطوطها العريضة بتغير الحزب الحاكم، أو الرئيس ساكن البيت الأبيض، وهناك سياق عام لأهداف استراتيجية، يسعى الجميع وراءها، وقد يختلف التكتيك من مسؤول إلى آخر، لكن تظل الرؤية الكبيرة واضحة.

باختصار غير مخل تسعى أمريكا لأن تكون سيدة القرن الـ21، ومن هنا تواجه وتجابه أي صعود قطبي، بل تسعى لحصار القوى الآسيوية تحديداً، وفي القلب منها روسيا الاتحادية والصين الشعبية.



لا يفوت القيادة الصينية ما تنتويه إدارة بايدن، تجاهها، فعلى الرغم من أن الرجل لا يبدو صدامياً كما الحال مع ترامب، إلا أنه ربما يميل إلى استخدام القوة الناعمة بشكل أقوى، مما فضله ترامب من استخدام القوة الخشنة، وفلسفة العقوبات والصياح في وجه الرئيس الصيني.

اختلاف السياسات

تمضي الصين وراء فلسفة كونفوشيوس السياسية، والتي ترى العالم جزءاً واحداً لا يتجزأ، أو وحدة أنطولوجية، يمكن أن تتغير فيها مراكز الأحداث، لكنها تبقى داخل الكل، في حين يسير الغرب وراء الطرح الأرسطي عن الظاهرة وما هو خارجها، ما ينتج احتكاكاً في الظلام، وتصادماً في الزحام.

لكن على الرغم من ذلك، فإن السياسة لا تعرف الأخلاق، وقديماً نصح المفكر السياسي الإيطالي الداهية نيقولا ميكافيلي، أمير مقاطعة ميديشي، بأنه من الأفضل أن يكون الحاكم مرهوباً من أن يكون محبوباً.



تدرك الصين أن واشنطن تمنت عند لحظة انفجار فيروس كورونا أن يكون الحدث هو المكافئ الموضوعي لانفجار تشيرنوبل، والذي كان بمثابة بداية انحدار الإمبراطورية السوفيتية، لكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد انتصرت الصين على الجائحة، فيما واشنطن تبدو مرتبكة والمخاوف تظللها، وقد فاقت أعداد المصابين أكثر من 20 مليوناً، فيما الوفيات تجاوزت 300 ألف، ناهيك عن الانقسام السياسي والذي يكاد يعصف بالبلاد.

تحديات كبيرة

تبدو العلاقات الأمريكية - الصينية مع بداية إدارة بايدن أمام تحديات خطيرة، فقد ورثت الإدارة الأمريكية الجديدة من سابقتها صورة مختلة ومعتلة للعلاقات بين الجانبين، فرض فيها ترامب وشركاؤه رؤيتهم الأحادية على بكين، ومنها الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، وعقوبات على بعض المؤسسات الصينية الأخرى، كما سعت واشنطن إلى إقناع شركائها الأوروبيين وفي مناطق أخرى حول العالم، للعمل على إعاقة التقدم الصيني في قطاع التكنولوجيا على نحو خاص.

هل من خطوة بعينها سوف تسعى إليها الصين في عام 2021، وربما في السنوات الخمس القادمة لفك ارتباطها بواشنطن تحديداً؟

علامة الاستفهام المتقدمة تحتاج إلى كلام كثير ورؤى تحليلية منفصلة، لكن باختصار غير مخل نشير إلى أن الصين، ورغم أن انتعاشها الاقتصادي خلال أزمة كورونا، كان أقوى وأسرع من أي دولة أخرى حول العالم، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هناك تباطؤاً واضحاً في النمو.

يدرك الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ما قاله نابليون بونابرت ذات مرة "الجيوش تمشي على بطونها"، والآن باتت الشعوب أيضاً تمشي على بطونها، ولهذا فإن هناك مخططاً صينياً داخلياً يسعى لتعزيز الداخل، ومن غير أن يهمل الخارج، ومن شأنه أن يعظم فرص القطبية الصينية واستغلال تدهور الأوضاع في الولايات المتحدة.

يذهب جين بينغ، في طريق دعم الحكومة المركزية الصينية للسوق المحلي الصيني، وهو أكبر سوق من حيث العدد، وإن كان أقل في القوة الشرائية.

هنا ترى الحكومة الصينية أنه ينبغي الابتعاد عن النمو المعتمد على الصادرات، كما كان الحال لعقود، والتحلل مما بات يعرف بـ "سلاسل الإمداد"، المرتكزة على أماكن أخرى حول العالم.

هل ما تفكر فيه الصين نوع جديد من أنواع الحرب الباردة الاقتصادية في زمن العولمة المضطربة بدورها؟

قد يكون ذلك كذلك فعلاً وقولاً، غير أنه ليس من الواضح بمكان ما إذا كانت رؤية الصين هذه تهدف إلى التعاطي مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط على هذا النحو، أم أن التوجه ينسحب على قارة أوروبا التي تحاول بكين الاقتراب منها بنوع خاص، وبقية قارات العالم بشكل عام.

ما هو وضع أمريكا من السياسات الاقتصادية الصينية الجديدة؟

مؤكد ستتأثر واشنطن سلباً، لا سيما فيما يخص الاستثمارات الصينية في سندات الخزانة الأمريكية، وهنا فإن البعض يتساءل: أليس من الأصوب أن تتعاطى إدارة بايدن مع الصين عبر سياسة الاحتواء وليس الردع؟

إلى قراءة أخرى مكملة.