الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

العائدون إلى أفغانستان.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

هل يكرر التاريخ نفسه؟ البعض يقول نعم، وآخرون يقولون لا، لكن المؤكد أن ما يدور في أفغانستان يرجح بقوة مقولة الكاتب الساخر الأمريكي مارك توين التي قال فيها «قد يعيد التاريخ نفسه مرات عدة، لكن ثمنه يتضاعف مع كل مرة»، فعندما دخل الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان عام 1979 توافد آلاف الشباب إلى كابول ومزار الشريف وباغرام بزعم محاربة «الاحتلال الأحمر»، وبعد 10 سنوات وفي عام 1989 عندما خرج الاتحاد السوفيتي من بلاد تورا بورا، عاد هؤلاء للقيام بعمليات إرهابية ضد أوطانهم الأصلية التي خرجوا منها، وهي القضية التي أطلق عليها في تسعينات القرن الماضي «العائدون من أفغانستان».

وبعد 20 عاماً كاملة من محاولة الولايات المتحدة تغير الواقع بين الفرقاء الأفغان، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب كل قواته وقوات حلف الناتو قبل 11 سبتمبر القادم، فهل سيفسح هذا القرار المجال أمام عودة المزيد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية؟ وهل تجتذب أفغانستان عناصر جديدة تتبنى فكر الإرهاب؟ وكيف للدول العربية أن تتجنب سيناريو «العائدون من أفغانستان» مرة أخرى؟ وما هي خيارات واشنطن والناتو للبقاء قريباً من أفغانستان؟

البقاء رغم الانسحاب

يقوم تصور إدارة الرئيس بايدن على البقاء في أفغانستان، رغم سحب 2500 جندي، و16 ألفاً من المتعاقدين المدنيين، و7 آلاف من قوات الحلفاء والناتو، لكن البقاء هذه المرة سيكون بذكاء استراتيجي وفق نظرية «تعلم الدروس» الأمريكية، ودون دفع مزيد من الفواتير البشرية والمالية، حيث أنفقت الولايات المتحدة حتى نهاية ميزانية 2020 أكثر من 978 مليار دولار، وقتل 241 ألف شخص في أفغانستان، وهذا الرقم يشمل 2442 أمريكياً، و71344 مدنياً، و78314 من الجيش والشرطة الأفغانية، بالإضافة إلى 84191 من طالبان وداعميها.

لكن «البقاء بذكاء» يواجه تحديات كثيرة؛ أبرزها زيادة الحضور الصيني في وسط آسيا، ورفض دول آسيا الوسطى التي بها قواعد عسكرية روسية، أن تستضيف قواعد جديدة للقوات الأمريكية أو الناتو، ولهذا يفكر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزي في مراقبة التطورات في أفغانستان من بعيد، وعبر الوجود الأمريكي في المحيطين الهندي والهادئ، إذا تعذر التوصل لاتفاقيات لنشر قوات وطائرات أمريكية بالقرب من الحدود الأفغانية، كما تعتزم واشنطن حث حلفائها في الناتو ومن خارجه، على استمرار دعمهم المالي والاستخباراتي للحكومة الأفغانية، التي أعدت 350 ألف جندي للحفاظ على ما حققته من مكاسب أثناء وجود القوات الدولية.

ويزيد من التعقيدات الميدانية أن طالبان التي لها 50 ألف مقاتل حسب التقديرات الأمريكية والأوروبية، بدأت في السيطرة على 17 منطقة خلال الشهرين الماضيين، خاصة في ولايتي غور وبلخ بجانب سيطرتها على 50% من الأراضي الأفغانية، كما حذرت قيادة طالبان دول الجوار من استضافة القوات الأمريكية، وهو موقف لا يختلف عن السياسة المعلنة لقوى إقليمية ودولية في المنطقة، حيث لا ترغب روسيا والصين وباكستان وإيران في وجود قواعد أمريكية قريبة من الأراضي الأفغانية.

عودة الإرهاب

أكثر المخاوف التي تقلق العالم بعد الخروج الأمريكي من أفغانستان، هو أن تعود أفغانستان حاضنة للإرهاب كما كانت في السابق. ويعزز من هذه المخاوف أن حركة طالبان التزمت حتى الآن فقط بعدم الاعتداء على القوات الأمريكية، وفق حسابات واشنطن التي ترى في اتفاق 20 فبراير 2020 مع الحركة، أنه يلزم طالبان بفك العلاقة مع القاعدة، وعدم السماح للتنظيمات الإرهابية الأخرى بالحصول على موطئ قدم في أفغانستان. لكن جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية كشف أن العلاقة بين طالبان والقاعدة أصبحت أكثر قوة خلال السنوات العشر الماضية، وهو الأمر الذي يجعل عملية الابتعاد عن القاعدة أكثر صعوبة بالنسبة لطالبان.

ولا تقتصر المخاوف الأمريكية على القاعدة وطالبان، فكل المؤشرات وعدد ونوعية العمليات الإرهابية التي وقعت خلال العام الجاري، تؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي يتمدد بشكل غير مسبوق في الأراضي الأفغانية، وهو الموقف الذي عبر عنه بقوة مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، عندما قال أمام الكونغرس إن الانسحاب الأمريكي النهائي من أفغانستان سيؤثر سلباً على قدرة واشنطن على ردع تنظيم داعش، وإن خروج أمريكا والتحالف الدولي من أفغانستان، سيجلب معه «أخطاراً أمنية جسيمة»، ناهيك عن نقل داعش عدداً كبيراً من عناصره إلى أفغانستان عقب انهيار دولته المزعومة في سوريا والعراق.

وكل ذلك سيجعل من أفغانستان أرضاً خصبة، لاستقطاب العناصر المتطرفة من العالم، خاصة أن هناك توقعات كثيرة بتكرار سيناريو الحرب الأهلية السابقة، بين طالبان والحكومة في كابول، فبعد خروج السوفييت عام 1989 من أفغانستان، وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991 لم تصمد حكومة كابول الشيوعية بقيادة محمد نجيب الله في ذلك الوقت أمام طالبان التي سيطرت على الحكم بشكل كامل عام 1996، وهو السيناريو الذي تتحسب له الدول العربية من خلال تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وبذل جهود غير مسبوقة من أجل تعزيز الوسطية والاعتدال وعزل المتشددين وأصحاب الأفكار الظلامية الذين قد يعملون على تكرار سيناريو العودة للقتال في أفغانستان.

تعقيدات إقليمية

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف سيؤثر الانسحاب الأمريكي على المعادلة الإقليمية في المنطقة؟ فالمعروف أن هناك صراعاً تاريخياً بين الهند وباكستان في هذه المنطقة، كما تصاعدت مؤخراً الخلافات الحدودية بين الهند والصين في منطقة لاداخ، وهناك من ينظر للسيناريو الحالي بأنه سيصب في صالح باكستان إذا ما سيطرت طالبان على الحكم في أفغانستان، فهناك عداء أيضاً بين الهند وطالبان، كما أن الولايات المتحدة ترى في الهند حليفاً قوياً ضمن «تحالف الديمقراطيات» الذي تريد تأسيسه ضد الصين وروسيا.

الحلول السياسية

المؤكد أن الحلول السياسية وحدها هي التي يمكن أن تساعد الشعب الأفغاني في الخروج من هذا المأزق، خاصة إذا نجحت الأمم المتحدة والدول التي لها قبول عند طرفي الصراع، في إقناع كل من الحكومة الأفغانية وطالبان، بالتوصل لاتفاقية سلام تشارك بموجبها طالبان في حكومة انتقالية، تقود لانتخابات جديدة يختار الشعب الأفغاني فيها من يمثله.

//عناوين داخلية//

أكثر المخاوف التي تقلق العالم بعد الخروج الأمريكي أن تعود أفغانستان حاضنة للإرهاب

الدول العربية تبذل جهوداً غير مسبوقة لتعزيز الاعتدال ومنع المتشددين من استغلال الوضع في أفغانستان

عدد ونوعية العمليات الإرهابية يكشف تمدد تنظيم داعش بشكل غير مسبوق في الأراضي الأفغانية

الحلول السياسية وحدها هي التي يمكن أن تساعد الشعب الأفغاني في الخروج من المأزق