الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

بعد انسحاب أمريكا.. حسابات معقدة للمصالح في أفغانستان

كان ينبغي النظر لتنحي قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال أوستن ميلر، في 12 يوليو الجاري، على أنه «العنوان العريض» لنهاية الحرب الأفغانية، لكن الجنرال الذي سيسجله التاريخ بأنه آخر قائد أمريكي حمل 4 نجوم في أفغانستان، غادر بلاد تورا بورا بعد نحو 20 عاماً من الحرب دون أي نتيجة تذكر. ويقول الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إن حركة طالبان باتت أقوى مما كانت عليه عندما دخلت القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى كابول ومزار شريف وقندهار عام 2001. لكن ربما أخطر ما تخشاه الولايات المتحدة والعالم أن تتحول أفغانستان لبؤرة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، حيث تتداخل مصالح دول الجوار والدول العظمى في بلاد «مقبرة الإمبراطوريات»، وهو ما حذر منه السفير الأمريكي في كابول، روس ويلسون، الذي دعا إلى عدم الدخول في «حرب بالوكالة» ودعم استقرار أفغانستان، والابتعاد عن أي حرب باردة جديدة بشأنها.

لكن تفاصيل المشهد الأفغاني لا تقتصر على إعلان طالبان سيطرتها على 85% من الأراضي الأفغانية، خاصة في الجنوب والشمال، والشمال الغربي، لكن بدأ سباق محموم من دول الجوار والدول ذات النفوذ في المنطقة لتأمين مصالحها، أو على الأقل عدم الضرر من الأوضاع الجديدة التي فرضها قرار الولايات المتحدة بسحب آخر جنودها في 31 أغسطس المقبل، وفق تصريح للرئيس بايدن.

وسارعت روسيا لاستضافة وفد رفيع من طالبان حسب بيان لوزارة الخارجية الروسية، كما أن إيران استضافت وبسرعة وفوداً أفغانية مختلفة تحت مظلة «الحوار الأفغاني» بحضور وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بحسب ما أفادت به الخارجية الإيرانية. والحديث لا ينتهي عن تحركات واتصالات صينية وهندية للحفاظ على مصالحهما الكبيرة في المنطقة، ناهيك عن المحاولة التركية لإعادة تموضع 500 جندي تركي في أفغانستان بعد خروج قوات الناتو، وذلك بعرض البقاء تحت لافتة حماية مطار كابول. فما هي أشكال الصراع الإقليمي والدولي حول أفغانستان؟ وكيف يمكن توزيع المصالح الجديدة دون الإخلال بالتوازن الدقيق في منطقة كانت على الدوام مصدراً لعدم الاستقرار، ليس فقط في منطقة آسيا الوسطى، بل للعالم كله؟



شهية جديدة للصراع

لا يخفى على أحد أن الخروج الأمريكي من أفغانستان كان مطلباً روسياً، ولم تنس الذاكرة بعد اتهامات الديمقراطيين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بأنه تغاضى عن معلومات تفيد بدفع روسيا أموالاً لطالبان لأجل استهداف الجنود الأمريكيين، وهو ما نفاه ترامب وقتها.

وتعارض روسيا نشر قواعد أمريكية جديدة في دول جوار أفغانستان، خاصة في طاجيكستان وقرغيزيستان وأوزباكستان، وذلك وفق مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، الذي عبَّر عن أمل روسيا في رفض دول الجوار الأفغاني نشر قواعد أمريكية في المنطقة. ولدى روسيا سلسلة من القواعد العسكرية في المنطقة منها الفرقة السابعة، وتتمركز في أبخازيا، وبها 4000 جندي روسي، والفرقة 102 في أرمينيا، ويعمل بها نحو 5000 جندي روسي، كما توجد قاعدة عسكرية ومحطة إنذار مبكر ومنصات دفاع جوي في كازاخستان، بالإضافة إلى الفرقة 201 العسكرية في طاجيكستان، وهي قاعدة كبيرة تضم 7500 جندي، وتكتسب أهميتها من وجودها على الحدود الأفغانية، وذلك وفق تقرير نشرته وكالة سبوتنيك الروسية.



قلق صيني

رغم ترحيب الصين بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان من حيث المبدأ، إلا أن الصين انتقدت ما أسمته «الانسحاب المفاجئ»، وفق تعبير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ. وتعد الصين أقرب الحلفاء لباكستان التي لها علاقة قوية مع حركة طالبان. وتقوم العلاقة القوية بين بكين وإسلام أباد على خلفية الصراع الهندي الباكستاني والهندي الصيني. وتتخوف بكين من التأثير السلبي لعدم الاستقرار في آسيا الوسطى بعد الانسحاب الأمريكي، ومن أن يؤثر هذا الانسحاب على المشروع الاستراتيجي الصيني «الحزام والطريق» الذي أطلقه الرئيس شي جين بينغ في 2013، ويمر في دول كثيرة أبرزها دول أسيا الوسطى، التي تقع أفغانستان في القلب منها.

وتراهن الصين بحسب تقديرات وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، على شركائها في منظمة شنغهاي؛ للحفاظ على مصالحها في تلك المنطقة، وتعزيز الحوار الاستراتيجي الصيني الباكستاني حول تعزيز السلام في أفغانستان، لكن التخوف الصيني يأتي أيضاً من انتشار الأفكار المتطرفة في المنطقة أو التحالف بين الجماعات الراديكالية في أفغانستان مثل داعش، مع التنظيمات المناهضة للدولة الصينية في إقليم شينجيانغ «تركستان الشرقية».

وتنشط حركة تركستان الشرقية الإيغورية في أفغانستان، كما تنشط في البؤر الساخنة التي بها مجموعات إرهابية مثل سوريا والعراق، ويعمل تنظيم تركستان الشرقية على فصل واستقلال إقليم شينجيانغ عن الصين، وهي مجموعة صنفتها الأمم المتحدة كجماعة إرهابية منذ عام 2002، لكن الولايات المتحدة رفعتها من قائمة الإرهاب الأمريكية في نوفمبر 2020. وربما أكثر ما تخشاه الصين أن ينتشر التطرف على طول مناطق دول الحزام والطريق، ما قد يخلق سياسة عدائية ضد بكين التي يتهمها مسؤولون أمريكيون بانتهاك حقوق الإيغور المسلمين في شينجيانغ، وفق بيان من وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو.



تركيا وإيران

تركيا من جانبها تحاول إعادة إحياء دورها في آسيا الوسطى من خلال رغبتها في بقاء 500 جندي تركي في مطار كابول، ورغم أن الخارجية الأمريكية أكدت وجود نقاش أمريكي تركي حول هذا الملف، إلا أن حركة طالبان وروسيا ترفضان العرض التركي. وتعتبر حركة طالبان أن الوجود التركي جاء ضمن الاحتلال الأمريكي وحلف الناتو منذ عام 2001، وفق المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان، سهيل شاهين. وترفض موسكو بقاء قوات تركية في أفغانستان بعد الانسحاب، وتعتبر أي وجود للناتو بعد الانسحاب الأمريكي، هو انتهاك لاتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، وفق ما عبر عنه المبعوث الروسي إلى أفغانستان، زامير كابولوف.

الحسابات الإيرانية في أفغانستان أكثر تعقيداً حيث يتحدث قطاع من الشعب الأفغاني، الذي يتجاوز 32 مليون نسمة، اللغة الفارسية الأفغانية، وخاصة أقلية الهَزَارَة الشيعية، ونسجت إيران علاقات جيدة مع طالبان خلال السنوات الماضية لعدة أهداف؛ أولها: ضمان عدم استهداف طالبان للهَزَارَة، وثانياً: حتى تظل منطقة غرب أفغانستان مكاناً للنفوذ والمبادلات التجارية مع إيران؛ لهذا استضافت طهران مؤخراً الحوار الأفغاني.

وسط كل هذه الحسابات لن يكون غريبا ان نشهد تنافسا وشدا وجذبا بين مختلف الأطراف لتأمين نفوذها في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.