الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

رغم تصنيفها «إرهابية».. لماذا تدافع روسيا عن حركة طالبان؟

رغم تصنيفها «إرهابية».. لماذا تدافع روسيا عن حركة طالبان؟

روسيا سمحت لطالبان بتقديم نفسها بمؤتمر صحفي بموسكو.(رويترز)

رغم تصنيف روسيا لحركة طالبان تنظيماً إرهابياً في فبراير 2003، إلا أن الخارجية الروسية احتفت كثيراً بوفد الحركة الذي زار العاصمة الروسية موسكو في السابع من يوليو، وقدمت للحركة منصة للترويج لأفكارها المستقبلية؛ من خلال مؤتمر صحفي مطول بموسكو، شرح فيه وفد طالبان باستفاضة استراتيجية الحركة في المرحلة المقبلة، ليس هذا فحسب بل وحرص الكرملين على التأكيد أن زيارة وفد طالبان لروسيا كانت بموافقة وعلم الرئيس فلاديمير بوتين نفسه.

ويتزامن ذلك مع كيل المديح والإشادة بطالبان من جانب مسؤولين روس كبار، أمثال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى أفغانستان، زامير كابولوف، الذي يشيد بطالبان ليل نهار، ويؤكد دائماً أن طالبان اليوم ليس طالبان عام 2001، وقال في تصريحات سابقة «في الواقع لقد تغيرت طالبان مع تغير هذا العالم وعلى مدى أكثر من 20 عاماً، القسم الكبير من قيادتها سئم الحرب ويدرك ضرورة البحث عن طرق سياسية للخروج من المأزق الحالي».

تضارب الرؤى

وفي مقابل الصورة التي ترسمها الولايات المتحدة لطالبان بأنها مندفعة وتسعى للسيطرة على كل الأراضي الأفغانية، وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قادة طالبان بأنهم «أشخاص عاقلون» وذلك أثناء منتدى السياسة الخارجية الذي استضافه حزب روسيا المتحدة الحاكم في يوليو.

ورغم أن الاتصالات الروسية مع طالبان تعود إلى عام 2007 عندما تحدثت موسكو لأول مرة عن اتصالات مع الحركة، وفق دراسة نشرتها صحيفة واشنطن بوست للباحث البريطاني المتخصص في الشؤون الروسية صمويل راماني، إلا أن إعلان الولايات المتحدة وحلف الناتو سحب قواتهما بشكل نهائي من أفغانستان قبل 11 سبتمبر المقبل، سرَّع من وتيرة التنسيق والاتصالات بين روسيا وطالبان.

وتعتبر موسكو أن هناك تحديات مشتركة بين موسكو وطالبان ليس فقط داخل أفغانستان، بل في منطقة آسيا الوسطى بأكملها، فما هي المساحات المشتركة بين الدب الروسي وتنظيم لا يزال العالم كله يعتبره تنظيماً إرهابياً؟ وإلى أي مدى يعول الكرملين على طالبان في ملفات استراتيجية تتعلق بحلفاء موسكو، بل وضمان الأمن القومي الروسي في إقليم يشكل «الحديقة الخلفية» للاتحاد الروسي؟

الدور الوظيفي

رغم اعتراف البيت الأبيض في 17 أبريل الماضي بأنه لا تتوافر لديه أدلة كافية على التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يونيو 2020، الذي يربط بين دفع روسيا أموالاً لطالبان، من أجل استهداف الجنود الأمريكيين، إلا أن ما حدث في أفغانستان خلال العقدين الماضيين جاء في صالح الاستراتيجية الروسية التي تعمل على إبعاد الولايات المتحدة وحلف الناتو عن حدودها وحدود حلفائها، خاصة في منطقة حيوية تضم دول آسيا الوسطى «أوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وكازاخستان، وأفغانستان» التي تعتبرها روسيا ضمن حدود الأمن القومي الروسي.

وبغض النظر عن حجم ونوعية المساعدات التي قدمتها روسيا لطالبان طوال فترة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، فإن روسيا على يقين كامل بأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ما كان يمكن أن يحدث دون ضغط العمليات العسكرية التي قامت بها طالبان ضد قوات الناتو منذ 2001، ولهذا تنظر روسيا إلى دور طالبان في إخراج القوات الأمريكية من كل الأراضي الأفغانية بأنه يتماهى تماماً مع المصالح الروسية التي كانت تشعر بخطر شديد طوال فترة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.

أجندة واحدة

وتتفق أجندة طالبان مع التوقعات الروسية في آسيا الوسطى؛ حيث أعلنت طالبان أكثر من مرة أنها تراعي المصالح الروسية في دول الجوار الأفغاني، وأنها لا يمكن أن تهاجم أصدقاء وحلفاء روسيا في المنطقة، خاصة طاجيكستان التي ترتبط بحدود طويلة مع أفغانستان تصل إلى 1206 كم، كما جاء على لسان القيادي في طالبان محمد نعيم.

كما تعهدت طالبان على لسان رئيس مكتبها السياسي في قطر، الملا عبدالغني برادر، بإعادة العمل في القنصلية الروسية في مزار شريف، وحماية كل الدبلوماسيين الروس في المدينة، كما أن روسيا على قناعة كاملة بأن حركة طالبان لا تريد نقل الصراع خارج أفغانستان، وذلك وفق تقييم قدمه زامير كابولوف، أمام منتدى فالداي للسياسات. وفي المقابل تدعم روسيا تحول طالبان إلى شريك سياسي رئيسي وفاعل في الحكومة الأفغانية المقبلة، حسب تصريحات سابقة لوزارة الخارجية الروسية.

محاربة الإرهاب

أكثر المبررات التي يسوقها المسؤولون الروس للتقارب مع طالبان تعتمد على أن التعاون مع الحركة ضروري للغاية لمكافحة تنظيم «داعش» الذي ينشط في أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى تحت اسم «ولاية خراسان»، التي تأسست في يناير عام 2015، وتضم عناصر من طالبان باكستان، وبعض المنشقين عن طالبان أفغانستان، بالإضافة إلى إرهابيين من دول آسيا الوسطى، وبعض العائدين من ساحة القتال السورية والعراقية.

وتقدر طاجاكستان أن ما يقرب من 1000 شخص من رعاياها حاربوا ضمن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، ولهذا يحاول تنظيم داعش منذ فترة طويلة الانتقال من الداخل الأفغاني والتوسع في دول الجوار، خاصة الدول التي بها قواعد عسكرية روسية مثل طاجيكستان، وفق ما كشف عنه رئيس المخابرات الروسية، ألكسندر بورتنيكوف، أثناء اجتماع سابق في طشقند لقادة الأجهزة الأمنية في مجموعة الدول المستقلة، وهي جمهوريات سوفيتية سابقة قريبة من أفغانستان.

وتقوم الحسابات الروسية على أن منطقة شمال أفغانستان تشهد بشكل خاص حضوراً وزخماً للمجموعات الإرهابية، حسب تقدير نائب وزير الخارجية الروسية، أندريه رودينكو، ويزيد من خطورة تنظيم داعش في أفغانستان اتهام روسيا رسمياً للولايات المتحدة بدعم داعش حسب تفاصيل مثيرة كشفت عنها المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، والتي شرحت كيف ساعدت الولايات المتحدة داعش ضد طالبان.

هذا الإعلان يضع طالبان وروسيا في «سلة واحدة» ضد التنظيم الذي يعتقد بأنه سيكون الأخطر في آسيا الوسطى وفق شهادة مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية الأسبق، جيمس كلابر، في جلسة استماع خاصة بهيئات الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي، بتاريخ 18 سبتمبر 2016، وكل ذلك يدفع روسيا للرهان على طالبان في الفترة المقبلة.