الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«ملحمة الماعز».. هكذا ساعد الغرب طالبان للعودة إلى السلطة

«ملحمة الماعز».. هكذا ساعد الغرب طالبان للعودة إلى السلطة

مليارات المساعدات سقطت في جيوب الفاسدين وتركت الفقر ينهش الأفغان.(أ ب)

كان الاستيلاء السريع من جانب حركة طالبان على السلطة في أفغانستان بعد عقدين من هزيمتها وتشرذمها صادماً لجميع المراقبين حول العالم.

يرى البعض أنه إذا أردنا أن نفهم العودة المذهلة لحركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، فلا بد من الخوض في تاريخ دولة جبلية تصد بشكل متكرر الغزاة الأجانب.

إلا أن البعض الآخر يرى أن الفساد الذي استشرى في الأوساط السياسية في البلاد على مدى عشرين عاماً والذي تم تحت أعين الولايات المتحدة وحلفائها هو السبب في هذا السقوط السريع والمدوي لنظام الحكم في كابول.

ملحمة الماعز

صحيفة «ديلي ميل» البريطانية ضربت مثلا بترتيبات نقل تسعة جديان من ايطاليا للتزاوج مع ماعز في افغانستان، وما ارتبط بتلك الترتيبات من ارقام انفاق غير مفهومة. وقالت ساخرة إن "ملحمة الماعز" تلخص ببساطة حجم الفساد الذي استشرى في أفغانستان بمساعدة الدول الغربية.

وأوضحت "تم نقل هذه الجديان من توسكانا جواً إلى أفغانستان كجزء من خطة بقيمة حوالي 6 ملايين دولار، خطط لها البنتاغون لمساعدة صناعة الكشمير الأفغانية وخلق آلاف الوظائف.

تم إرسال الجديان الشقراء للتزاوج مع إناث الماعز المحلية داكنة اللون لتعزيز محصول ونوعية الصوف الفاخر المحلي. لكن العديد منها أصيب بالمرض، وكانت الحظائر التي صممت لها صغيرة جدًا، وتكاليف الطعام الضخمة جعلت الخطط غير مستدامة، فانسحب الشريك الأفغاني، واستقال رئيس المشروع، ولم يعرف مصير هذه الجديان وما إذا كان قد انتهى بها المطاف في قدور الطهي أم لا.

وفي تعليقه على هذا الفشل، قال جون سوبكو، المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان: «لا نعرف لقد كان هذا الأمر سيئًا للغاية.»

صحيفة «ديلي ميل» قالت إن هذا المخطط الهزلي يرمز بشكل مثالي إلى الحماقة المكلفة والمدمرة للمحاولات الغربية لبناء مجتمع جديد في أفغانستان، يقوم على الغطرسة والأسلحة والتدفقات الهائلة للمساعدات.

تدخل ساذج

واعتبرت أنه رغم بعض التقدم في التعليم وتمكين المرأة، إلا أن التدخلات الأجنبية الساذجة لعبت دورًا ضارًا في تأجيج الفساد، وزيادة الانقسامات وتعزيز دولة المافيا، وبالتالي المساعدة على عودة طالبان.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن صندوق النقد الدولي قد منع شريحة المساعدات الأخيرة لأفغانستان والبالغة 450 مليون دولار من السقوط في أيدي الفاسدين، مستدركة لكن السؤال هو.. كم المبلغ الذي وضعوه بالفعل في جيوبهم؟

كان هدر وسرقة أموال المساعدات في أفغانستان مذهلاً، حيث تم إنفاق المليارات على مدارس «أشباح» وعلى تدريب القوات العسكرية، وجهود مكافحة المخدرات التي جاءت بنتائج عكسية، وصفقات إعادة إعمار وهمية، وكان يتم تهريب النقود والذهب عبر مطار كابول في حقائب كبار المسئولين.

وكشفت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية أن أحد المسؤولين الكبار سافر من البلاد ومعه حوالي 52 مليون دولار نقدًا، وأن تجار المخدرات والمسؤولين الفاسدين كانوا يحولون حوالي 232 مليون دولار أسبوعيًا من بلد لا يكاد متوسط ​​الدخل فيه يتجاوز 590 دولاراً في السنة.

الانضمام لطالبان

تم تجاهل جميع علامات التحذير، منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث قال ريتشارد هولبروك، المبعوث الأمريكي الخاص للمنطقة، إن الفساد يقضي على الجهود المبذولة لإيجاد ديمقراطية وليدة، واعتبر أن هذا الوضع الفاسد كان «أداة التجنيد رقم 1» لطالبان.

بعد غزو البلاد عام 2001، وعدت الولايات المتحدة ببناء أو تجديد 1000 مدرسة وعيادة بحلول نهاية 2004، لكنها تمكنت بالكاد من إنجاز 10 في المئة من هذا الرقم المستهدف.

كان الفساد في المشاريع فجاً، بحسب تقرير «ديلي ميل» الذي دلل على ذلك بإنفاق 44 مليون دولار على محطة وقود غاز طبيعي واحدة، وهي تكلفة أعلى بـ 140 مرة من تكلفة إنشاء محطة مماثلة في باكستان.

أظهرت سلسلة من التقارير الرسمية - تم حذف العديد منها الأسبوع الماضي من مواقع الحكومة الأمريكية، على ما يبدو، بسبب «مخاوف أمنية مستمرة» - كيف أدارت النخبة الفاسدة الحكومة لتحقيق مكاسب شخصية بينما يرتكبون الجرائم ويفلتون من العقاب، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الانضمام إلى حركة طالبان.

حكم اللصوص

قال كريستوفر كوليندا، الكولونيل الذي قدم النصح لثلاثة قادة أمريكيين في أفغانستان، إنه بحلول عام 2006 كانت الحكومة قد «نظمت نفسها وأسست نظام حكم «كليبتوقراطي»، أو حكم اللصوص. وهو المصطلح الغربي الذي يصف الحكومة التي يستخدم قادتها السياسيون السلطة للاستيلاء على أموال شعوبهم، وهو ما كان يحدث في أفغانستان طوال هذه السنوات.

يدفع السياسيون مقابل منحهم مناصب رسمية، ثم يستردون التكاليف «من برامج المساعدة، أو بيع الزي الرسمي أو الذخيرة في السوق السوداء، أو الاتجار بالمخدرات أو الاختطاف».

بحلول عام 2010، نقلت برقية دبلوماسية أمريكية عن مستشار الأمن القومي الأفغاني قوله «الفساد ليس مجرد مشكلة لنظام الحكم في أفغانستان - إنه نظام الحكم».

لكن أموال الغرب استمرت في التدفق بينما تحدث السياسيون «قليلو الحياء» عن الاستقرار، بحسب «ديلي ميل».

استعرضت الصحيفة العديد من الأمثلة على سرقة الأموال في أفغانستان، ومنها 335 مليون دولار تم تخصيصها لإنشاء محطة توليد الكهرباء وهي تكلفة تزيد أكثر بعشر مرات مما كان مخططاً له، وفي النهاية تم تسليمها بأقل من واحد في المائة من القدرة المستهدفة لأن المسؤولين الأفغان لم يتمكنوا من شراء الوقود.

وهناك قرض بقيمة 84 مليون دولار لإقامة فندق مقابل السفارة الأمريكية اختفى، تاركًا المساحة المخصصة للفندق فارغة.

وبجانب اختفاء الأسلحة، تٌرك أسطول من طائرات النقل بقيمة 550 مليون دولار لتصدأ على مدرج قبل بيعها كخردة مقابل حوالي 40 ألف دولار، بحسب ديلي ميل.

وخلص جيرت برتولد، المحاسب الذي ساعد في تحليل 3000 عقد بقيمة 78 مليار جنيه استرليني (106 مليارات دولار)، إلى أن أربعة من كل عشرة دولارات انتهي بها الأمر في جيوب المسؤولين الفاسدين أو رجال العصابات أو المتمردين.

مليارات وفقر مدقع

وأضافت الصحيفة أن ما يقرب من تريليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة على مدى عقدين و30 مليار جنيه استرليني من قبل بريطانيا، بما في ذلك 3.3 مليار جنيه استرليني على المساعدات، في بلد يبلغ عدد سكانه 38 مليون نسمة.

إذا تم ببساطة تقسيم كل المساعدات الدولية التي تم إنفاقها بين الأفغان، لكان بإمكان كل مواطن أن يصبح مليونيراً على الفور، وفقاً للصحيفة.

وبدلاً من ذلك، ارتفع معدل الفقر في السنوات الأخيرة ليبتلع أكثر من نصف السكان.