الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«الغرفة 39».. وحدة سريَّة تحصِّن كوريا الشمالية ضد العقوبات

«الغرفة 39».. وحدة سريَّة تحصِّن كوريا الشمالية ضد العقوبات

تأسست «الغرفة 39» خلال سبعينيات القرن الماضي حين عجزت بيونغ يانغ عن الحصول على قروض من السوق الدولية.

حرمان 25 مليون مواطن من الإيرادات وتحويلها إلى كيم غونغ أون وجنرالاته

الاتجار بالبشر والتحريض على إدمان المخدرات أهم مصادر تمويل «غرفة كيم»

الكونياك المعتق واليخوت والسيارات الفارهة تعتلي قائمة مشتريات الزعيم الكوري

وقائع تؤكد تزييف الدولار واليورو والسطو على احتياطيات الفيدرالي الأمريكي

تهريب خام الذهب والمجوهرات إلى الصين ونقل العوائد إلى العائلة الحاكمة

فرضت علامات استفهام كبيرة نفسها حول قدرة كوريا الشمالية على الصمود أمام العقوبات الدولية المفروضة عليها؛ فالدولة التي تعاني قيوداً وحصاراً اقتصادياً، لا تتوقف عجلة تجاربها النووية يوماً تلو آخر، وتخوض تحدياً جسوراً أمام المجتمع الدولي؛ فما الموارد التي تعتمد عليها بعد تضييق الخناق على مرافقها الاقتصادية، وإصابة حركتها التجارية مع غالبية دول العالم بالشلل؟ لا تغيب إجابة السؤال كثيراً عند كشف أسرار «الغرفة 39»، التي تعكف كوادرها على تحريض المواطنين على إدمان المخدرات، وتأمم الصفقات التجارية، ويصل نشاطها حد الاتجار في البشر؛ فإذا خيَّمت الدهشة على تناقض حياة الملوك التي يعيشها كيم غونغ أون وجنرالاته مع تضوُّر سكان كوريا الشمالية جوعاً، فيتحتم الغوص في تفاصيل الغرفة الخاصة، التي تبذل قصارى جهدها في خدمة رجالات النظام الشمولي.

وحسب بيانات نشرها موقع Borgen Project، يعيش ما يقرب من 60% من سكان كوريا الشمالية ظروفاً معيشية قاسية جداً، ولا تقل تلك النسبة عن 25 مليون نسمة. في المقابل يتمتع أبناء الطبقة الراقية في بيونغ يانغ بثراء فاحش، رغم العقوبات الدولية، وحقيقة انعزال الدولة نفسها تقريباً عن العالم الخارجي. ويكشف وكلاء استخبارات هربت من كوريا الشمالية أن هذا التناقض يعود بالأساس إلى الوحدة الخاصة، التي تأسَّست في عهد كيم إيل سونغ (جد كيم غونغ أون) ويطلق عليها «الغرفة 39».

أصل التسمية

ولا تعلم الأكثرية داخل كوريا الشمالية وخارجها تفاصيل كافية عن الوحدة السريَّة التي يدور الحديث عنها، إلا أن نزراً ضئيلاً من المعلومات الاستخباراتية أكد تأسيس «الغرفة 39» خلال سبعينيات القرن الماضي، حين عجزت بيونغ يانغ عن الحصول على قروض من السوق الدولية. وتعود تسمية الوحدة السريَّة إلى الغرفة 39 في بناية حزب العمال الكوري الشمالي بالعاصمة بيونغ يانغ. ووفقاً لتقديرات استخباراتية، استهدفت الوحدة في بداية تأسيسها تدشين صندوق تكافل لأبناء عائلة كيم؛ أو بعبارة أخرى، كانت الوحدة بمثابة «ماكينة أموال الصرف الآلي الشخصية»، التي استغلها أبناء العائلة الحاكمة في اختلاس أموال الدولة. وفي الوقت الذي اضطر فيه عشرات الملايين من السكان للاكتفاء بالقليل من موارد الحياة، سبح أفراد القيادة السياسية والعسكرية بالعاصمة الكورية الشمالية في بحور الملذات وطيب العيش.القائد العسكري هونغ غونغ– يوب، الذي قضى -قبل هروبه من كوريا الشمالية- سنوات طوالاً داخل الدائرة الأكثر اقتراباً من كيم غونغ أون، تحدث عن ذلك في لقاء مع موقع Borgen Project، وقال: «لقد استولى أعضاء «الغرفة 39» على عديد المشروعات التي تدر أرباحاً هائلة في السوق الدولية؛ وربطوا بين هذه المشروعات عبر مجموعة ضخمة، وقاموا بتأميمها لتكوين هيئة اقتصادية مستقلة تحت سيطرتهم المباشرة. منذ ذلك الحين، وعلى مدار ما يزيد على 50 عاماً، تدر «الغرفة 39» أموالاً طائلة، يشتري بموجبها كيم غونغ أون الكونياك المعتق، واليخوت، والسيارات الفارهة».

خام الذهب

وفي لقاء مع شبكة الأخبار الأسترالية ABS، قال هارب من كوريا الشمالية رفض الكشف عن هويته لدواعي أمنه الشخصي: «يحصل أعضاء «الغرفة 39» على الأموال بأية طريقة بغض النظر عن مشروعيتها، فإذا نجح رجل أعمال في تحقيق مكاسب مادية وظهرت عليه آثار الثراء، لا يتردد وكلاء الوحدة السريَّة في السيطرة عليه وأمواله. لقد كانت لي سابقة أعمال لدى مجموعة Daesong الاستثمارية قبل سيطرة «الغرفة 39» عليها. إلا أنه بعد السيطرة اكتشفنا أننا نعمل على تصدير منتجات ذات قيمة ثمينة؛ بداية من الحاويات الزراعية، والمجوهرات، وصولاً إلى خام الذهب الذي يتم استخراجه من المناجم المنتشرة في كوريا الشمالية. كنا نقوم بتهريب كل شيء إلى الصين، وهناك كان يتم بيع المنتجات بما يضاهي نظائرها المحلية؛ أما العوائد فكانت تدخل مباشرة إلى حسابات كيم غونغ أون».. الذهب والمجوهرات لم تكن هي المواد الوحيدة التي يتم تصديرها من كوريا الشمالية، إذ كشف تحقيق نشره موقع صحيفة «واشنطن بوست»، أن النظام الديكتاتوري في بيونغ يانغ عكف على تهريب مواد كيميائية خارج الحدود لاستخدامها لاحقاً في إنتاج المخدرات؛ وكانت حكومة كوريا الشمالية تعتمد على كوادرها الدبلوماسية في الخارج عند تسويق المواد الكيميائية المهربة، حتى إن بعض هذه الكوادر استحال إلى خلايا لتجارة المخدرات خارج حدود البلاد.

كريستال ميث

ووفقاً لتقديرات موثقة، تدفَّقت على خزينة «الغرفة 39» خلال عام 2013 أرباحاً مادية، راوحت ما بين 100 و200 مليون دولار من تجارة المخدرات فقط. علاوة على ذلك، كانت كوادر الوحدة السريَّة تبيع المخدرات للمواطنين، وتحوَّل الأرباح مباشرة إلى حسابات حاكم البلاد. هارب آخر، لاذ بالفرار قبل 3 سنوات من كوريا الشمالية، يقول: «يحرِّض أعضاء «الغرفة 39» المواطنين على تعاطي مخدر «كريستال ميث»، وهو أخطر أنواع المخدرات التي يؤدي الإفراط فيها إلى الانتحار، فضلاً عن حلوله ضيفاً دائماً على حفلات «مجتمع المثليين». فجأة يتوقف تحريض المواطنين، حين يتهافتون قسراً على الشراء بعد إدمان المخدر القاتل. يضاف إلى ذلك المواطنون من ذوي الأمراض المزمنة، الذين يقبلون في البداية على المخدر بغرض الشفاء، لكنه سرعان ما يتحول إلى مكوِّن أساسي في حياتهم بعد إدمانه، لا سيما بعد تدخل وزارة الصحة هناك ووضعه ضمن قائمة أدوية علاج مرض السرطان؛ وغالباً ما يصبح المخدر ذاته هو العلاج الوحيد في الدولة».وفي مرحلة لاحقة، دأب وكلاء «الغرفة 39» على الاتجار بالبشر، أملاً في زيادة أرباح الوحدة السريَّة؛ وحسب تقديرات وكلاء استخبارات في مختلف دول العالم، أوفدت «الغرفة 39» ما يربو على 100 ألف مواطن من كوريا الشمالية للعمل في مشروعات بشتى بقاع المعمورة؛ بداية من مواقع بناء في الشرق الأوسط، مروراً بمزارع وترسانات بحرية في أوروبا، وصولاً إلى مصانع أخشاب في روسيا وقلاع صناعية في الصين.

رقابة مكثفة

شهد العمال الذين تمكنوا من الهرب بأن حكومة بيونغ يانغ تعهدت قبل إيفادهم للعمل في تلك المناطق بحصولهم على رواتب مجزية، وتزيد إلى حد كبير على تلك التي يتلقونها في البلاد. رغم ذلك وفور وصولهم إلى مقار العمل في مختلف بقاع العالم، عانوا ظروفاً قاسية وأجواء عمل لا تحافظ على قدر ضئيل من حقوق الإنسان، فضلاً عن خضوعهم خارج البلاد لرقابة مكثفة من جانب أجهزة أمن وطنهم الأصلي، لا سيما شرطة كوريا الشمالية السريَّة. وإلى جانب ذلك جرى تحويل رواتبهم الشهرية مباشرة إلى حسابات «الغرفة 39». وفي لقاء مع صحيفة «نيويورك تايمز»، كشف المواطن الكوري ريم إيل، وهو نجَّار عمل في مشروع بناء بإحدى دول الشرق الأوسط أنه تعرَّض ورفاقه لظروف عمل قاسية، لم يُسمح لهم فيها بالراحة سوى يوم واحد فقط كل أسبوعين؛ وأضاف: «لم نحصل مرة واحدة على رواتبنا الشهرية مقابل عملنا؛ وفي كل مرة كنا نطالب فيها بأجورنا، كان أرباب العمل يصرخون في وجوهنا، ويدعون في كل مرة أن أفراد عائلاتنا يتضورون جوعاً في كوريا الشمالية، وأنهم في حاجة إلى الأموال التي نتلقاها، وما علينا سوى تقديم الشكر والعرفان لحصولنا على ثلاث وجبات يومياً». نجح ريم إيل وبعد محاولات عديدة في الهرب من مقر عمله، وانتقل في إقامته إلى كوريا الجنوبية، إلا أنه لا يتضح حتى اليوم حجم الأموال التي تحصلت عليها حكومة بيونغ يانغ أو بالأحرى «الغرفة 39» جراء الاتجار بالبشر، لكن التقديرات تؤكد تدفق ما يزيد على مليار دولار على حسابات كيم غونغ أون خلال فترة ليست بالطويلة من تلك التجارة غير المشروعة.

شقيقة الزعيم

وتشير التقديرات أيضاً إلى أن الوحدة السريَّة التي يدور الحديث عنها في كوريا الشمالية، ما زالت تمارس نشاطها بهذا الخصوص حتى اليوم، وتواصل ضخ الأموال إلى حسابات عائلة كيم الحاكمة تحت قيادة كيم غونغ أون؛ كما يدخل في نطاق نشاط الوحدة السريَّة عمليات قرصنة وأنشطة سايبر، تشرف عليها إحدى شقيقات زعيم كوريا الشمالية، وجرى خلالها الهجوم على عديد المؤسسات المالية والمصارف في مختلف دول العالم، فضلاً عن طباعة كميات هائلة من العملات المزورة، وفي طليعتها الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي. وتشير تقديرات الأجهزة المعنية في الولايات المتحدة إلى أن كوريا الشمالية طبعت خلال السنوات القليلة الماضية ملايين العملات الأمريكية المزورة من فئة 100 دولار، وأن سلطات بيونغ يانغ عملت خلال هذه الفترة على ترويج تلك العملات المزورة في مختلف دول العالم. وفي 2006، صدر مرسوم تفتيش ضد إحدى سفن النقل خلال إبحارها وهي تحمل علم بنما، وكشفت عمليات البحث وجود ما يربو على 300 ألف عملة مزورة، كانت جميعها على درجة عالية من التزوير، وشهد أحد وكلاء جهاز الشرطة الأمريكي بأن العملات التي جرى ضبطها بدت حقيقية بدرجة كبيرة قبل فحصها.

إقرأ أيضاً..روسيا تنشر جيشاً من الدلافين في البحر الأسود

وفي 2016، شنت عناصر تابعة لـ«الغرفة 39» هجوم سايبر على بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، واقتربت العناصر من السطو على مليار دولار؛ إلا أنه جرى كشف الحيلة بسبب خطأ هجائي في إحدى المستندات، ما أدى إلى فشل العملية في نهاية المطاف. وقال ري غونغ هو، وهو مواطن كوري ادعى أنه عمل في السابق ضمن فريق الوحدة السريَّة، إنه من المستحيل تجميد نشاط «الغرفة 39»، نظراً لأنها تخضع مباشرة لسيطرة الدولة. وأضاف هو الذي هرب من بلاده قبل سنوات: «يهيمن على كوريا الشمالية نظام حكم شمولي، يتحكم في كل تفاصيل إدارة البلاد. وفي كل مرة يفرض المجتمع الدولي عقوبات على شركات معينة، ينجح النظام وبكل بساطة في تغيير أسماء تلك الشركات، ويستمر عملها بشكل طبيعي، إذ يشرف على تلك الطرق الالتفافية عديد الشخصيات واسعة النفوذ في البلاد، وهي شخصيات لن تقبل بسقوط نظام كيم غونغ أون، لأنها تحقق استفادة كبيرة من وراء تلك العمليات».