الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

«جيش افتراضي».. كيف تُمول كوريا الشمالية صواريخها الباليستية؟

«جيش افتراضي».. كيف تُمول كوريا الشمالية صواريخها الباليستية؟

تسابق الكوريتين في اختبار صواريخ باليستية يفاقم المخاوف من اندلاع مواجهة بينهما.

رداً على أول تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية منذ 4 سنوات، أطلقت كوريا الشمالية 8 صواريخ باليستية قصيرة المدى قبالة سواحلها الشرقية أول أمس الأحد، لتضاعف عدد تجاربها وتفرض علامات استفهام على مصادر تمويل برنامجها العسكري غير التقليدي. ورغم عقوبات دولية عززتها قرارات مجلس الأمن الدولي لكبح جماح تهديدات بيونغ يانغ، تصر الأخيرة على مسعاها المثير، معتمدة على مصادر تمويل غير مشروعة، تأتي في طليعتها الجرائم الإلكترونية، التي تعد وفقاً لمتخصصين في المجال، أكثر كفاءة وفعالية من حيث الكلفة، وتفوق أرباحها الأنشطة التي اعتمدت عليها كوريا الشمالية في السابق لتمويل نشاط برنامجها الباليستي، والتي تمثلت في تزييف العملات، وعمليات التهريب، ومستحضرات طبية مزورة.

في الوقت نفسه، أطلق الجيشان الأمريكي والكوري الجنوبي 8 صواريخ بالستية في البحر، الاثنين، في استعراض للقوة رداً على تجارب بيونغ يانغ، أحدها أمريكي بالإضافة لسبعة صواريخ كورية جنوبية - نحو المياه الشرقية لكوريا الجنوبية خلال 10 دقائق بعد تلقي إخطارات بالسلامة الجوية والبحرية، بحسب هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية والقوات الأمريكية في كوريا.وقال الجيش الكوري الجنوبي إن الهدف من إطلاق الصواريخ هو إظهار القدرة على الرد السريع والدقيق على هجمات كوريا الشمالية. فيما أكد مسؤولون كوريون جنوبيون وأمريكيون إن كوريا الشمالية تستعد لإجراء أول تجربة نووية منذ سبتمبر 2017، حيث يضغط الزعيم كيم جونغ أون نحو سياسة «حافة الهاوية» التي تهدف لترسيخ مكانة بلاده كقوة نووية، والتفاوض من أجل تنازلات اقتصادية وأمنية من موقع القوة.

جرائم إلكترونية

وتندرج جرائم بيونغ يانغ الإلكترونية ضمن إطار عالمي، يوفر عوائد مالية فلكية، فضلاً عن انخفاض مخاطر تلك الجرائم وصعوبة اكتشافها وانخفاض معدل تعرضها لعقوبات دولية؛ ففي عام 2016، حصل الكوريون الشماليون على 81 مليون دولار بعد سطو على بنك إلكتروني أمريكي؛ ولولا اكتشاف مسؤول مصرفي أمريكي آنذاك خطأ مطبعياً في طلبات التحويل المصرفي الاحتيالية، لتمكن منفذو العملية من سرقة 850 مليون دولار إضافية. وفي 2019، قدَّر فريق خبراء تابع للأمم المتحدة تحقيق كوريا الشمالية أرباحاً تراكمية وصلت إلى 2 مليار دولار في العام ذاته نتيجة جرائمها الإلكترونية. وخلال العام الماضي 2021، أطلق متسللون في بيونغ يانغ ما لا يقل عن 7 هجمات مختلفة، استهدفت بشكل أساسي شركات الاستثمار والتبادلات المركزية بمجموعة متنوعة من الآليات. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة Chainalysis، وهي شركة تتعقب العملات المشفرة. عمل مجرمو الإنترنت الكوريون على الوصول إلى محافظ المنظمات «الساخنة» (المحافظ الرقمية المتصلة بالإنترنت)، ثم نقل الأموال إلى حسابات تسيطر عليها كوريا الشمالية.

تقرير أممي سري

وحسب تقرير نشرته مؤسسة «هيرتاغ فاونديشن» الأمريكية، تعد السرقات هي أحدث مؤشر على أن الدولة الخاضعة لعقوبات دولية خانقة تواصل الاعتماد على شبكة من المتسللين للمساعدة في تمويل برامجها الباليستية، لا سيما بعد اتهام تقرير سرِّي للأمم المتحدة، فإن هناك «عمليات ضد المؤسسات المالية ومراكز الصرافة الافتراضية» لدفع ثمن الأسلحة والحفاظ على اقتصاد كوريا الشمالية واقفاً على قدميه. وذلك من خلال الاعتماد على جيوش إلكترونية للسطو على كبريات المصارف والمؤسسات المالية المنتشرة في مختلف دول العالم، وزاد حصاد تلك السرقات في 2014 فقط عن ملياري دولار، واستفاد منها نظام بيونغ يانغ في تمويل برنامجه الباليستي، وفق خبراء الأمم المتحدة. وفي فبراير الماضي، اتهمت وزارة العدل الأمريكية ثلاثة كوريين شماليين بالتآمر لسرقة أكثر من 1.3 مليار دولار من البنوك والشركات في جميع أنحاء العالم وتنظيم عمليات سرقة رقمية لعملات مشفرة.

وحسب نيك كالرسن، المحلل في شركة استخبارات بلوكتشين TRM Labs: «بفعل العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية من جانب الولايات المتحدة والشركاء الأجانب، باتت بيونغ يانغ معزولة عن النظام المالي العالمي، ونتيجة لذلك انتقل الكوريون إلى ساحة المعركة الرقمية لسرقة العملات المشفرة بشكل أساسي، بالإضافة إلى السطو على البنوك، لتمويل برامج الأسلحة، والانتشار النووي والأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار».

وإلى حد كبير، استفادت جهود قرصنة كوريا الشمالية من ارتفاع قيمة العملات المشفرة؛ فالارتفاع في أسعار واستخدامات هذا النوع من العملات أدى إلى جعل الأصول الرقمية جذابة بشكل متزايد لـ«الجهات الخبيثة»، وهو ما رفع معدل عمليات سرقة العملات المشفرة في 2021؛ وخلال العام الماضي فقط، سرق قراصنة كوريون شماليون ما لا يقل عن 400 مليون دولار من العملات المشفرة. وفي أبريل 2022، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الـFBI أن قراصنة كوريين شماليين سرقوا ما يضاهي 620 مليون دولار من العملات المشفرة من شركة ألعاب فيديو أمريكية. ويقدر خبراء في واشنطن أن بيونغ يانغ تحصل على مليار دولار سنوياً من عمليات السرقة الإلكترونية. وحسب تقديرات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تلتف كوريا الشمالية بتلك الإيرادات على العقوبات الدولية المفروضة عليها، فضلاً عن تمويل ودعم 90% من برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية.

«الغرفة 39»

ويضاف إلى قائمة تحايلات بيونغ يانغ لتمويل برنامجها الباليستي، تدشين ما يُعرف بـ«الغرفة 39»، وهى هيئة سريَّة تهدف إلى جمع أموال هائلة عبر سلسلة برامج داخل وخارج كوريا الشمالية، وتهدف مجموعة الكوادر المشاركة في تلك الهيئة إلى تحريض المواطنين على إدمان المخدرات، وتأميم الصفقات التجارية، ويصل نشاطها حد الاتجار في البشر؛ فإذا خيَّمت الدهشة على تناقض حياة الملوك التي يعيشها كيم غونغ أون وجنرالاته مع تضوُّر سكان كوريا الشمالية جوعاً، فيتحتم الغوص في تفاصيل الغرفة الخاصة، التي تبذل قصارى جهدها في خدمة رجالات النظام الشمولي وتمويل برامج الصواريخ الباليستية.وحسب ما نقله موقع Borgen Project عن أحد العاملين السابقين في الغرفة السرية: «استولى أعضاء الهيئة الكورية الشمالية على عديد من المشروعات التي تدر أرباحاً هائلة في السوق الدولية؛ وربطوا بين هذه المشروعات عبر مجموعة ضخمة، وقاموا بتأميمها لتكوين هيئة اقتصادية مستقلة تحت سيطرتهم المباشرة. منذ ذلك الحين، وعلى مدار ما يزيد عن 50 عاماً، تدر «الغرفة 39» أموالاً طائلة».