الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

جزر المحيط الهادئ تدخل ساحة الحرب الباردة بين القوى العظمى

جزر المحيط الهادئ تدخل ساحة الحرب الباردة بين القوى العظمى

تحولت دول جزر المحيط الهادئ إلى مسرح جديد للتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، لا سيما بعد اتفاقية «أوكوس» الثلاثية، التي قابلتها الصين باتفاقية مماثلة مع جزر سليمان، حيث عززت الاتفاقيتان الاحتقان الجيوستراتيجي، الأمر الذي أضفى مزيداً من التعقيد على منطقة كانت حتى فترة قريبة بعيدة عن الصراعات الدولية.

ورغم أن دول جزر المحيط الهادئ من أصغر الدول وأقلها سكاناً، فإنها تضم بعضاً من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في العالم، بما لديها من إمكانات اقتصادية هائلة، إذ تمتلك كيريباتي وولايات ميكرونيزيا الموحدة -كلاهما من بلدان جزر المحيط الهادئ- مناطق اقتصادية خالصة أكبر من تلك الموجودة في الهند، علاوة على ذلك، فإن بلدان جزر المحيط الهادئ الـ14، المرتبطة ببعضها البعض من خلال الاهتمامات الاقتصادية والأمنية المشتركة، تمثل أكبر عدد من الأصوات في الأمم المتحدة، وتعمل كبنك تصويت محتمل لصالح القوى الكبرى لتعبئة الرأي العام الدولي.

الصين.. البحار البعيدة

ويشير تقرير حديث إلى أن دول جزر المحيط الهادئ تقع جغرافياً واستراتيجياً داخل نطاق تشير إليه الصين باسم «البحار البعيدة»، التي تجعل من الصين ـ حال السيطرة عليها ـ قوة بحرية فعالة، ما يعد شرطاً أساسياً لتصبح قوة عظمى، ونتيجة لعدم وجود روابط تاريخية بين الصين ودول المحيط الهادئ عكس القوى الغربية، وجهت الصين اهتمامها بصورة تدريجية ارتبطت نسبياً بصعودها خلال العقود القليلة الماضية، إذ أدركت أن الحاجة إلى التأثير على بلدان جزر المحيط الهادئ مسألة أكثر إلحاحاً، خاصة في ظل ظهور الحوار الأمني الرباعي « كواد» كقوة رئيسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مقابل الصين.

ورغم أن التنين الصيني عادة ما يبحث ويركز على الفرص الاقتصادية في تعاملاته الدولية، فإن الأمر ربما يختلف نسبياً بالنسبة لدول جزر المحيط الهادئ رغم الثراء البحري الهائل الذي تتمتع به، إذ يلعب العامل التايواني دوراً رئيسياً في حساب التفاضل والتكامل بالنسبة للصين، التي ترى ضرورة كسر الهيمنة الغربية على سلاسل جزر المحيط الهادئ، والتي يمكن أن تعرقل إعادة توحيد تايوان، ولا سيما أن جذب دول جزر المحيط الهادئ بعيداً عن الغرب وتايوان من شأنه أن ييسر هدف إعادة توحيد تايوان إلى الصين حسب التقرير.

إعادة رسم النفوذ

يرى مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور محمد فايز فرحات، أن منطقة جزر المحيط الهادئ لم تكن ضمن الأولويات الدولية خلال الفترة السابقة، إلا أنها اكتسبت أهمية استراتيجية خلال الفترة الأخيرة نتيجة للمعركة الدائرة حول إعادة خريطة رسم النفوذ في المنطقة. ولفت إلى أن الصين بدأت تطور مناطق نفوذها التقليدية خلال العقد الأخير وحققت علاقات قوية باستخدام الورقة الاقتصادية وتقديم نفسها قوة داعمة داخل المحافل الدولية، منوهاً أنها نجحت بالفعل في تبني علاقات استراتيجية مع دول جزر المحيط الهادئ ليس كونها جزءاً من الصراع حول النفوذ فحسب، وإنما كونها جزءاً مهماً لطرق التجارة البحرية داخل الإندوباسيفك في الصراع الدائر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند وأستراليا.

وأشار إلى أن هذه الجزر اكتسبت أهمية استراتيجية إضافية بعد اتفاقية «أوكوس»، وخاصة أنها فتحت الباب أمام نوع جديد من التسليح لأستراليا والذي تعتبره الصين مصدر قلق كبيراً.

ونجحت الصين بالفعل في الحصول على اعتراف دبلوماسي من 10 دول من أصل 14 من دول جزر المحيط الهادئ من خلال استخدام قوتها الاقتصادية الناعمة، بعد عقود من لعبة محصلتها صفرية بين الصين وتايوان، فيما لا تزال دول توفالو، بالاو، جزر مارشال، وناورو، تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان.

بدأت الصين تتحدث بشكل متزايد عن التعاون الأمني بالإضافة إلى دبلوماسيتها الاقتصادية تجاه دول جزر المحيط الهادئ، ووقعت اتفاقية أمنية في أبريل 2022 مع جزر سليمان، أثارت مخاوف إقليمية، الأمر الذي دفع القوى ذات الديناميكيات الإقليمية القديمة مثل الولايات المتحدة وأستراليا إلى الاستدارة وإعادة النظر في الأولويات الدبلوماسية داخل المحيط الهادئ.

«فرحات» يشير إلى أن حشد تلك الدول داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة يعد أحد أبرز أسباب الاهتمام الصيني، خاصة أنها تشكل كتلة عددية، لذا فإن أي تصويت محتمل حول استقلال تايوان يمكن أن ترسمه الجزر لصالح الصين، لافتاً إلى أن الصين تعمل مع تلك الجزر على قضية التغير المناخي والتي تعد القضية ذات السبق لتلك الدول، غير أن الولايات المتحدة بدورها تركز على الأمر ذاته، لا سيما داخل الحوار الأمني الرباعي، بما يعد مدخلاً آخر للتجاذب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مشدداً على أن المنطقة تشهد صراعاً على النفوذ في إطار إعادة هندسة المشهد الاستراتيجي والآلية الأمنية التي ستشكل أدوات الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مستبعداً أنها قد تكون مسرحاً لأي عمل عسكري، خاصة في ظل وجود مناطق أكثر سخونة تتمثل في بحر الصين الجنوبي وتايوان، فضلاً عن كوريا الشمالية، مرجحاً أن الصين لن تستعجل أي مواجهة عسكرية.



أمريكا.. مسرح الأولوية

أكدت الولايات المتحدة أن إقامة منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل حر ومنفتح تقع في صميم استراتيجيات الأمن القومي الأمريكية، منوهة أن قوة الشراكات التي بنتها الدول الإقليمية مع الولايات المتحدة تشكل جوهر عالم يسوده السلام والازدهار للجميع وفق بيان لوزارة الدفاع الأمريكية.

وأشار وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في بيان على الصفحة الرسمية للوزارة إلى أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تمثل «مسرح الأولوية» لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث يعمل أكثر من 300 ألف من أفراد الخدمة الأمريكية في المنطقة مع الحلفاء والشركاء لضمان الحفاظ على النظام الدولي.

ويشير تقرير صادر عن معهد الولايات المتحدة للسلام إلى أن واشنطن تعتبر أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ المنطقة الجيوستراتيجية الرئيسية في العالم، ولا سيما أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة والدبلوماسية الإقليمية الأخيرة تدعم رغبة الإدارة في إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية إلى حقيقة أن المنطقة أصبحت تشكل مركز الثقل الناشئ للنظام الدولي، إذ لم تعد موطناً لمنافس قوي فحسب -الصين- ولكن من المتوقع أيضاً أن تكون المحرك للنمو الاقتصادي والتكنولوجي العالمي خلال عقود قادمة.

ويرى مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مقترح الصين الأمني لدول المنطقة كان من الممكن أن توافق عليه تلك الدول خلال مرحلة سابقة، إلا أن انحياز دول الجزر خلال الوقت الراهن لأي من الطرفين ينطوي على أخطاء، إذ تشكل معضلة أمنية كبيرة تتعلق بالطبيعة الجغرافية لتلك الدول، لا سيما في ظل حالة الاستقطاب الواضحة، متوقعاً حدوث ضغوط أمريكية مقابلة للجهود الصينية لحث جزر المحيط على رفض الاتفاقات الأمنية.

الهند.. موقف محايد

اتخذ قادة الولايات المتحدة موقفاً براغماتياً بشأن رفض الهند انتقاد العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا علانية، إذ توقع معظم صانعي السياسة الأمريكيين أن تتخذ الهند هذا النهج الدقيق نظراً لإحجامها التاريخي عن انتقاد الدول الأخرى علانية وعلاقتها بروسيا، التي تعتمد عليها في المعدات العسكرية المهمة والمدخلات الزراعية حسب التقرير.

من جهتها، تأمل نيودلهي أن يؤدي الحفاظ على العلاقات مع موسكو إلى إبقاء بعض القيود على الشراكة غير المحدودة التي أعلن عنها فلاديمير بوتين وشي جين بينغ قبل الأزمة الأوكرانية، وخاصة أن تلك الشراكة بين الصين وروسيا تمثل تهديداً للهند في الوقت الذي تدير فيه توترات طويلة الأمد مع الصين بشأن الأراضي المتنازع عليها، غير أن محاولة إحداث فجوة بين موسكو وبكين في ظل عزلة روسيا العالمية تبدو رهاناً سيئاً، ولا سيما أن روسيا في حاجة إلى الصين أكثر من أي وقت مضى كسوق وداعم على المسرح العالمي.

ولفت التقرير إلى أن تجاوزات موسكو وعلاقاتها المتنامية مع الصين يمكن أن تسهم في تسريع تحرك الهند إلى وضع أمني أكثر استقلالية لمواجهة الصين الصاعدة، إذ يراهن المسؤولون الأمريكيون على الهند على المدى الطويل باعتبارها ركيزة أساسية لرؤية منفتحة داخل المحيطين الهندي والهادئ، ولتحقيق تلك الغاية، تسعى الولايات المتحدة إلى مساندة الهند في الحفاظ على مخزونها الهائل من المعدات العسكرية بشكل مستقل عن الإمدادات الروسية، إلى جانب تقديم الدعم التقني وإنتاج المزيد من العتاد محلياً عبر الشراكة مع صناعات الدفاع الأمريكية وحلفائها.

أستراليا.. إعادة التوجيه

أعادت أستراليا، التي كانت لفترة طويلة القوة الخارجية الأكثر أهمية في جنوب المحيط الهادئ، تنشيط مشاركتها في المنطقة عقب الانتخابات الأسترالية الأخيرة، إذ بدأت وزيرة الخارجية الجديدة بيني وونغ، جولة إلى فيجي بعد 4 أيام من تولي المنصب، تبعتها بزيارتين إلى ساموا وتونغا بعد أقل من أسبوع.

ورغم أن الولايات المتحدة والصين بطلتان أساسيتان في المنافسة الاستراتيجية حول العالم في المحيط الهادئ، لا سيما في ميلانيزيا، فإن علاقات أستراليا أعمق بكثير من علاقات الولايات المتحدة والصين داخل دول المحيط، فضلاً عن أن نيوزيلندا - شريك مهم وقوة إقليمية - تشعر بالقلق من طموحات الصين في المحيط الهادئ، ما يسهم في تغيير وجهات النظر حول دور الصين العالمي.