السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

بعد عام على فوزه بـ«نوبل».. آبي أحمد يكافح لحفظ السلام في إثيوبيا

بعد عام على فوزه بـ«نوبل».. آبي أحمد يكافح لحفظ السلام في إثيوبيا

رئيس الوزراء الإثيوبي. (رويترز)

تملك الغضب الشديد مجموعة من الشباب في إثيوبيا إثر مقتل المغني الإثيوبي الشهير هاتشالو هونديسا، وهرع حوالي 100 منهم إلى «النُزُل البريطاني»، وهو منتجع يقع في بلدة «باتو» بـ«ريفت فالي» وأضرموا النيران في غرفه الـ16، وأجبروا النزلاء على الفرار.

بعد 3 أشهر تقريباً من هذا الحدث، لا يزال منتجع الاستجمام الذي يقع على مسافة حوالي 160 كم جنوب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مغلقاً. وقد تم الاستغناء عن الجزء الأكبر من موظفيه البالغ عددهم 33، عدا 5. وتفوح رائحة الأثاث المحترق في ما تبقى من النُزُل.

ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء في تقرير عن مدير المنتجع تيبيو إلميو بيداسور (31 عاماً) قوله: «كان عملاً أحمق.. لم تفعل الحكومة شيئاً لتساعدنا. لا يعرف الناس هنا كيف يمكنهم التخطيط للمستقبل».

جاء هجوم «باتو» في إطار موجة احتجاجات أعقبت اغتيال المغني هونديسا في 29 يونيو الماضي، وشهدت تفجر توترات عرقية ظلت كامنة لفترة طويلة في إثيوبيا. ومع اندلاع العنف مجدداً غربي البلاد خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ضاعفت الاضطرابات من النكسات المتوالية التي يواجهها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بعد أقل من عام على فوزه بجائزة نوبل للسلام.

وتهدد جائحة فيروس كورونا المستجد بأن تعكس اتجاه سنوات من النمو الاقتصادي الرائع، بينما أثار قرار آبي أحمد بتأجيل الانتخابات العامة في البلاد التي كان موعدها الشهر الماضي إلى موعد لم يحدد، بزعم الحد من انتشار الفيروس، التساؤلات بشأن التزامه بالديمقراطية.

كما أن الزعماء الإقليميين يزدادون إصراراً في المطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، في حين تقوض أسراب الجراد الصحراوي الأمن الغذائي الإقليمي، كما أصاب الاستياء الشديد مصر والسودان بسبب بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق، وهو ما يهدد موارد الدولتين من المياه.

وكان آبي أحمد قد حصل على جائزة نوبل للسلام، تقديراً لنجاحه في وضع حد للصراع الطويل مع الجارة إريتريا، لكن الشكوك الآن تكتنف اتفاق السلام بين الدولتين، حيث تقول إريتريا إنه لم يحقق المنافع الاقتصادية المتوقعة من ورائه، وإن القوات الإثيوبية تواصل الحفاظ على وجودها في أراضيها.

وقال ميريرا جودينا، رئيس حزب مؤتمر الأورومو الاتحادي: «لقد دفع آبي أحمد السياسة في البلاد بشكل أعمق إلى طريق مسدود».

ويمكن القول إن التوترات العرقية تشكل التحدي الأكثر ترسخاً أمام رئيس الوزراء، وهو تحدٍ يمثل تقويضاً للاستقرار الذي قام عليه النجاح الاقتصادي الذي حققته إثيوبيا مؤخراً.

وكان الفنان هونديسا ينتمي لشعب الأورومو، الذي يشكل أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وقد ذاعت أغانيه أثناء الاحتجاجات ضد الحكومة الإثيوبية في الفترة من عام 2015 وحتى عام 2018. ولم يتضح بعد الدافع وراء اغتيال هونديسا، لكن العنف الذي أعقب مقتله أودى بحياة 200 شخص وحول بلدات إلى ساحات معارك في منطقة «أوروميا»، قبل تدخل قوات الأمن.

ويقول ميريرا إن تلك المظاهرات قد خفت حدتها، لكن القتال بين الجماعات المحلية تأجج في منطقة بينيشانجول-جوموز بغرب البلاد، ما أسفر عن مقتل حوالي 140 شخصاً منذ بداية الشهر الجاري. ويقول الجيش الإثيوبي إن أكثر من 25 ألف شخص فروا من بيوتهم.

ويرى ميريرا أن آبي أحمد «يفتقر إلى الخبرة والبراعة التي تمكنه من قيادة أمة تعداد سكانها 110 ملايين نسمة بمفرده».

وتظهر أديس أبابا ما هو على المحك من أجل الحفاظ على الاستقرار. لقد أقيمت عشرات الفنادق ومراكز عقد المؤتمرات والمصانع والمباني الشاهقة خلال السنوات الأخيرة، كما تربط شبكة خطوط حديدية خفيفة بين مركز المدينة والمناطق الصناعية في الجنوب. وهناك ناطحة سحاب في شمال المدينة على وشك الانتهاء من بنائها لتستخدم مقراً للبنك التجاري الإثيوبي، وستضم مطاعم وفندقاً فخماً، ومنصة للمشاهدة.

لكن الخوف أصبح يساور المستثمرين الذين ازدهرت أعمالهم في ظل تولي آبي أحمد مقاليد الأمور.

وقال بيثليم تيلاهون أليمو، المدير الإداري لشركة «سول ريبيلز» للأحذية، ومقرها أديس أبابا، لوكالة بلومبيرغ عبر الهاتف: «السلام والاستقرار يشكلان أحد أهم مكونات الأعمال التجارية الناجحة»، مضيفاً: «نمُرُ بتغير وعلينا التحلي بالصبر حتى نرى النتائج. إنها فترة عصيبة على الجميع».

ورغم الاضطرابات، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل إثيوبيا معدل نمو 2ر3% للعام الجاري، وهو ما يقل كثيراً عن معدل 9% الذي حققته البلاد خلال العقد الماضي، لكن إثيوبيا تظل بين الدول القليلة التي تشهد نمواً.

وكان آبي أحمد اختياراً مفاجئاً في رئاسة الوزراء قبل نحو عامين، لكن الأشهر القليلة الأولى له في منصبه تميزت بتغييرات بعيدة المنال، شملت إطلاق سراح السجناء السياسيين، ورفع الحظر عن جماعات المعارضة والجماعات المتمردة، والتوصل لاتفاق سلام مع إريتريا. كما أنه خصص نصف مقاعد أعضاء حكومته للنساء، وتخلص من المسؤولين الذي طالتهم ادعاءات بالفساد، وبدأ في فتح الاقتصاد الانعزالي ومغازلة المستثمرين الدوليين.

لكن وتيرة التغيير كانت مفرطة بالنسبة للبعض، كما «انفجرت الآن» التوترات التي احتوتها الإدارة السابقة للبلاد إلى حد كبير، بحسب ما نقلته بلومبيرغ عن مايكل ولدماريام، أستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة بوسطن، والذي قال: «الآن صارت حقيقة بناء الأمة والتغلب على التحديات التاريخية في إثيوبيا عارية. لم يستطع آبي أحمد، رغم ما حظي به من شعبية، تحقيق جميع الطموحات والوعود».

وحدد آبي أحمد في المحاضرة التي ألقاها بمناسبة تسلمه جائزة نوبل للسلام رؤيته في بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع بالرخاء، ويزدهر بالتسامح والتفاهم.

ولكن تحقيق التوافق أمر بعيد المنال، وقد تأججت التوترات مؤخراً في مقاطعة تيجراي، وهناك أيضاً صراع عرقي يغلي مستتراً في أمهرة، وليس هناك ما يشير إلى أن الهجمات وعمليات الاختطاف التي تقوم بها الميليشيات المسلحة في أوروميا ستهدأ.

كما أنه ليس هناك ما يدل على أن قبضة آبي أحمد على السلطة تواجه تهديداً، فقد قام بتعزيز قاعدة مؤيديه عبر حزبه الجديد «حزب الرخاء»، كما أنه يتمتع بدعم قوات الأمن ويحظى بسيطرة واسعة على وسائل الإعلام المحلية. وقللت بيلين سيوم، المتحدثة باسم رئيس الوزراء، من أهمية العنف الذي تشهده البلاد، وقالت إن إثيوبيا تظل مفتوحة أمام الأعمال التجارية.

وقال آبي أحمد أمام الأمم المتحدة قبل أيام: «ليس لدينا أوهام بأن هذه ستكون رحلة سهلة... نواصل التزامنا بهدف التحول للديمقراطية، وسنواصل جهودنا من أجل الإصلاح بكل الالتزام السياسي الضروري».

ويرى آبل آبيت ديميسي، زميل المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاثام هاوس» في لندن، أنه لا يزال يتعين على إدارة آبي أحمد بذل المزيد من أجل تشجيع المصالحة، حيث إن «إثيوبيا لا تستطيع تحمل استمرار عدم الاستقرار السياسي في ظل التحديات التي تواجهها البلاد».

وأضاف ديميسي لبلومبيرغ عبر الهاتف من أديس أبابا: «إن المشاحنات الحالية ستؤدي إلى مأزق سياسي وأمني خطير إذا لم تهدأ خلال وقت قريب».