السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الساحل والصحراء.. ماذا بعد سحب الجنود الفرنسيين؟

رغم زيادة وتيرة العمليات الإرهابية في أفريقيا، خلال عام 2020، والنصف الأول من العام الجاري، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سحب نصف القوات الفرنسية من منطقة الساحل والصحراء، البالغ قوامها نحو 5100 جندي.

وزاد من وتيرة الشعور بخطر توسع التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، ما كشفه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 25 يونيو الماضي، أثناء افتتاح مكتب الأمم لمكافحة الإرهاب بالمغرب، بقوله: «إن القارة الأفريقية لم تعد فقط موطناً للإرهابيين العائدين من الخارج، بل أصبحت أيضاً موطناً للإرهابيين الذين شنوا العام الماضي وحده، نحو 7108 هجمات، أسقطت 12519 ضحية».

المرأة والإرهاب

والغريب في الأمر، أنه ورغم استهداف التنظيمات الإرهابية للفتيات والمرأة في أفريقيا، فقد كشفت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2019، أن تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، نجحت في جذب وتجنيد المجندات في صفوفها، بالإضافة إلى زيادة واضحة في استخدام المجموعات الظلامية لوسائل التواصل الاجتماعي، لحشد وتعبئة وكسب الأنصار، وفق تقرير للأمم المتحدة العام الماضي.

كما فاقم من هذا التوجه، إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 5 ديسمبر 2020، عن سحب الجنود الأمريكيين، الذين كانوا يدربون القوات الصومالية على مكافحة إرهاب حركة الشباب، في شرق القارة ومنطقة القرن الأفريقي، حسب ما جاء في بيان للبنتاغون.

وتشير تحذيرات وكالات المخابرات الغربية، إلى إمكانية نجاح تنظيمي داعش والقاعدة، في تأسيس ما يصفانه بأنها دول للخلافة في أفريقيا، إذا لم يكن هناك جهد دولي منسق لمكافحة الإرهاب، وذلك ضمن تقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية، عن توسع الإرهاب في القارة الأفريقية، في 19 يونيو المنصرم.

فما هي أبعاد القرار الفرنسي؟ وكيف يمكن تقوية المناعة الأمنية والسياسة للدول الأفريقية لمواجهة السلالات الجديدة من التنظيمات الإرهابية؟

بعثة حفظ السلام

عندما اندلعت أعمال العنف في مالي، التي تقع في قلب منطقة الساحل والصحراء، بداية من عام 2012، بدأت الأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، عملية «مينوسما» التي كان هدفها دعم جهود مالي في محاربة التنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد الجميع.

وصدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2100 في أبريل 2013، والذي حدد مهام بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي «مينوسما»، ويبلغ عدد أفرادها 12 ألفاً و600 شخص، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، بهدف حفظ الأمن والاستقرار، وعدم توسع العمليات الإرهابية.

وبدأت البعثة الدولية بالفعل مهامها، تحت القيادة الأفريقية في أول يوليو 2013، ووفق إحصاءات الأمم المتحدة فإن قوات مينوسما، تعد من أكثر بعثات الأمم المتحدة التي قدمت تضحيات بشرية، حيث قتل 150 جندياً من القوة الأممية الأفريقية، على أيدي إرهابيين في المنطقة، منذ بداية عملها، حتى يونيو الماضي وفق إحصائية للأمم المتحدة.

سرفال وبرخان.. والدور الفرنسي

وقبل مينوسما، أطلقت فرنسا في عهد الرئيس السابق فرنسوا أولاند العملية «سرفال» في يناير 2013، بهدف منع تمدد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، التي تضم بشكل رئيسي تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو.

ثم أطلقت فرنسا العملية «برخان» عام 2014، بهدف التصدي لزحف الجماعات الإرهابية في شمال مالي، ومنطقة الساحل الغربي للقارة الأفريقية، ونتيجة لعدم رضا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن التطورات الداخلية السياسية في مالي، خلال الآونة الأخيرة، قام بإلغاء العملية برخان، وبعدها أعلن تقليص عدد القوات الفرنسية إلى النصف.

وتخشى دول في المنطقة، من استغلال الحركات الإرهابية للفراغ الذي ستتركه القوات الفرنسية، وخاصة في تشاد وجنوب ليبيا، حيث أعلن الجيش الوطني الليبي، عملية لتطهير الجنوب الليبي من العناصر الإرهابية، بعد عملية سبها الإرهابية الأخيرة، وذلك وفق بيان صادر عن القيادة العامة للجيش الليبي.

خريطة الإرهاب في الساحل والصحراء

وتتمركز الجماعات الإرهابية في 3 مناطق خطيرة في أفريقيا؛ هي غرب القارة، وشرق القارة في الصومال والقرن الأفريقي، لكن أخطرها في منطقة الساحل والصحراء، التي تضم جماعة بوكو حرام التي أسسها محمد يوسف في مايدوغوري بنيجيريا عام 2002، وتنظيم داعش في الساحل الأفريقي الذي بدأ توسيع عملياته منذ عام 2019 لتشمل 7 دول في المنطقة، حتى وصلت إلى بحيرة تشاد، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وهم مجموعة انبثقت عما كان يعرف باسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، والتي كانت تنشط في الجزائر، ثم بايعت القاعدة عام 2007.

ويصل نفوذ هذا التنظيم إلى موريتانيا والمغرب وتونس ومالي، بالإضافة إلى جماعة ما تسمى بـ«نصرة الإسلام» التي تأسست في مارس 2017، وتضم خليطاً من الجماعات الموالية للقاعدة، وتنشط في الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، وتستهدف القوات الفرنسية الموجودة في مالي والنيجر، وذلك وفق دراسة أعدها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

ويعود السبب في الانتشار السريع للتنظيمات الإرهابية في أفريقيا، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى أسباب كثيرة، لكن كبيرة الباحثين في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، جولي كولمان، ترجع هذا الأمر بشكل رئيسي إلى الجفاف والفقر والبطالة والاحتكاكات العرقية، وأن النهج الذي اعتمده المجتمع الدولي، والقائم على الأمن فقط، كانت له نتائج عكسية، كما نراه اليوم في مالي التي زاد فيها التطرف بعد التدخل الدولي.

مقاربة جديدة

وهناك اتفاق بين الخبراء مثل كولمان، بعدم نجاح التدخل الدولي المباشر، وأن وجود القوات الأجنبية غير مرغوب به من جانب السكان المحليين، لذلك من الأفضل أن تتوسع الأمم المتحدة، في افتتاح المكاتب الأممية للتدريب على مكافحة الإرهاب، كما هو الحال عندما افتتحت الأمم المتحدة مكتبها في المغرب في شهر يونيو الماضي، كما يمكن تكثيف رقابة شركات التكنولوجيا على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تروج للعنف والكراهية، وضرورة مراقبة التحويلات والدعم المالي للجماعات الإرهابية، وأن تكون هناك مقاربة فكرية وتنموية، بجانب المقاربة العسكرية والاستخباراتية. إذا تحقق ذلك، فقد يظهر وقتها ضوء في نهاية النفق المظلم للإرهاب.