السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«مهد القهوة».. صادرات البن في إثيوبيا تتحدى المعارك

«مهد القهوة».. صادرات البن في إثيوبيا تتحدى المعارك

أجداد الـ«أورومو» هم أول من استنبط الأثر المنشط لنبتة القهوة. (رويترز)

في إثيوبيا، مهد القهوة بلا منازع، حسب المُعتقدِ على نطاق واسع، لم يحُل الصراع الدائر في أكبر منتج للبن في أفريقيا، دون تصدير قهوتها الشهيرة، وسط توقعات منتجي البن تسجيل صادرات قياسية خلال هذا العام، في وقت يعاني فيه المنافسون الأجانب.

«هيئة القهوة والشاي» في إثيوبيا أكدت أنها صدرت 86 ألف طن من البن خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر الماضية، لتحقق 327.9 مليون دولار، بزيادة بلغت 77 % عن التوقعات.

وخلال العام المالي المنتهي في 31 يوليو، صدرت إثيوبيا 250 ألف طن من البن لتحقق 910 ملايين دولار، وفقاً لأرقام الهيئة المعنية بصادرات الشاي والبن. بل من المتوقع أن تصل صادرات البن الإثيوبي إلى 280 ألف طن في العام المالي الحالي.

انتعاشة في خضم القتال

تأتي تلك الأرقام في خضم معارك تخوضها القوات الإثيوبية مع مقاتلي جبهة تيغراي، التي أطاح بها عام 2018 رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ما اضطرها إلى التراجع لمعقلها تيغراي. وبعد معارك بينهما العام الماضي، أعلن أبي انتصاره عليها، لكن في يونيو الماضي، استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي، لتعود معارك متقطعة بين الجانبين منذ ذلك الحين في عدة مدن وبلدات حول العاصمة، بينما يتقدم المقاتلون صوب أديس أبابا، ما دفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.

رغم ذلك، أكد أدوجنا ديبيلا، المدير العام لـ«هيئة القهوة والشاي» أن الصادرات «لم تتأثر» بالصراع، موضحاً أنه لا توجد ثمة مشكلة في ميناء جيبوتي وطريق أديس أبابا.

ونقل موقع «إندبندنت عربية» الإخباري، النسخة العربية الإلكترونية للصحيفة البريطانية الرقمية، عن حكومة أديس أبابا قولها إن النجاح الذي تحقق، رغم تحديات الحرب، يرجع إلى «الإصلاحات التي شهدتها السياسات الاقتصادية عامة، والإصلاحات المتعلقة بقطاع الزراعة بشكل خاص، إلى جانب زيادة التنسيق مع المنتجين والموردين والجهات الفاعلة على المستويات الزراعية كافة».

«بصمة البن»

كما نقل الموقع عن شافي عمر، نائب مدير عام هيئة القهوة والشاي الإثيوبية، قوله إن الهيئة بذلت جهوداً «لا من أجل المنافسة بالأسواق العالمية فقط، إنما لإنتاج البن بجودة عالية، ما عزز بصمة البن الإثيوبي محلياً ودولياً»، مشيراً إلى تطوير أدوات التواصل مع المزارعين والمنتجين والمصنعين في قطاعات البن.

ووفق بيانات رسمية، تجاوزت صادرات إثيوبيا من البن، خلال الأشهر الثلاثة، التي تمثل الربع الأول من السنة المالية في إثيوبيا، التوقعات الحكومية، التي وُضعت ضمن الخطة الزراعية للدولة. وبحسب بيان الهيئة، تصدرت ألمانيا قائمة الدول المستوردة للبن الإثيوبي بنسبة 25 % من الصادرات.

كانت الخطة الزراعية تقضي بتصدير 74.7 ألف طن من القهوة والشاي والتوابل لربع السنة المالية الإثيوبية، بعائد 245.70 مليون دولار، إلا أنها نجحت في تجاوز ذلك، بتحقيق معدلات أعلى بكثير.

مقارنة بذات الفترة من 2020، ارتفع الإنتاج إلى 32 ألفاً و31 طناً، أي ما يعادل 56.31 %. كما زادت الإيرادات بـ144 ألفاً و49 مليون دولار أمريكي، بما يعادل 76.45 %. وبحسب موقع «جورنال دو كاميرون» الإخباري، فإن هذه الأرقام «تدعم بشكل كبير عائدات النقد الأجنبي لإثيوبيا، كما أنها مؤشر على مستقبل مشرق لهذه التجارة».

الأولى أفريقياً

لكن موقع «أفريكان نيوز» اعتبر في تقرير له أنه سوق الصادرات الإثيوبية للسلع الزراعية لا يُستغل بشكل كافٍ، بالنظر إلى موارد البلاد الغنية بالمنتجات الزراعية. وأضاف أنه «رغم زيادة الأرباح بنسبة 12 % عن ميزانية 2018»، إلا أنه ما زال يمكنها توسيع أرباحها من سلع التصدير الرئيسية، التي يتصدرها بطبيعة الحال البن.

تعد إثيوبيا الأولى على مستوى القارة السمراء، والسابعة على مستوى العالم، في إنتاج البن، أهم المحاصيل الزراعية التي تعتمد عليها البلاد في الحصول على العملات الأجنبية. وتمثل عائدات صادراته 10 % من الإيرادات الحكومية السنوية، كما توفر القهوة نحو 60 % من دخل العملة الصعبة للبلاد. وفيما تمد إثيوبيا سوق البن العالمي بنحو 3 %، يعتمد نحو ربع سكانها على صناعة القهوة ومراحل إنتاجها المختلفة كمصدر رزق.

أسطورة الاكتشاف

وتمتد صناعة القهوة في إثيوبيا إلى عشرات قرون مضت. وتقول الأسطورة إن جذور اكتشاف القهوة تعود إلى 12 قرناً مضت عندما لاحظ راعي أغنام بالصدفة نشاطاً غير اعتيادي ينتاب أغنامه، في إحدى هضاب إثيوبيا، كلما تناولت نبات حبوب القهوة، ليجدها تضج بالحيوية وتتسلق الصخور قفزاً.

أما المفارقة السياسية فهي أن الأسطورة تذهب إلى أن هذا الراعي كان ينتمي لقبيلة «الأورومو»، وهي الجماعة التي ينحدر منها «جيش تحرير أورومو» المتحالف حالياً مع جبهة تحرير شعب تيغراي، في مواجهة القوات الفيدرالية الإثيوبية. بل هي ذات القبيلة التي ينتمي إليها رئيس الوزراء أبي أحمد.

ثقافة القهوة

ويُعتقد على نطاق واسع أن أجداد الـ«أورومو» هم أول من استنبط الأثر المنشط لنبتة القهوة. ومن ثم، خرجت لتنتشر من إثيوبيا إلى اليمن إلى مصر إلى شبه الجزيرة العربية. وبحلول القرن الـ15، وصلت إلى أرمينيا وبلاد فارس وتركيا وشمال أفريقيا. كما وصلت إلى إيطاليا وبقية أوروبا ثم إندونيسيا وسائر دول آسيا، قبل أن تصل إلى الأمريكتين. والآن، ينمو نبات القهوة في أكثر من 70 بلداً، لا سيما في مناطق الخط الاستوائي.

في جدلية الشاي والقهوة، ينقسم عشاق المشروبات الساخنة، فيرى فلاسفة أنه وإن ارتبط الشاي (كمشروب شعبوي) بالأعمال اليدوية، فإن القهوة (مشروب نخبوي) ترتبط بالأعمال الذهنية. القهوة إذاً ثقافة، ولا يقتصر ارتباطها بإثيوبيا على عوائدها الاقتصادية فحسب، فقط إذ تشكل تقليداً تاريخياً لدى الشعب الإثيوبي. يقولون عنها: «القهوة خبزنا»، كدلالة على أهمية احتسائها ضمن طقوس نظامهم الغذائي اليومي.