الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لا تثقوا بهؤلاء المثقفين

المثقفون العرب نادرون، بكل التعريفات التي يحتملها المصطلح، والأكثر ندرة داخل الدائرة الضيقة ذاتها هو المثقف صاحب الأثر، الفضوليّ الذي تدفعه المعرفة لاستخدام أدواته الناقدة تحليلاً ثم ابتكاراً للأفكار والحلول. ارتفع نجم المثقفين في الستينات والسبعينات، شحذت القضايا القومية أصواتهم ودفعتهم إلى المشاركة بحماسٍ في الشأن السياسي، والانخراط في الأحوال العامة للشعوب، وأياً كانت دوافعهم وآمالهم حينها فإنهم حاولوا لعب أدوار أكثر إيجابية من الوقوف موضع المتفرّج. في حراك 2011 التخريبي، والذي أوهم الجماهير بأنه ربيعٌ قبل أن تتكشف ألوانه الحقيقية انقسم المثقفون ثلاثة: رافضٌ يخشى العواقب، مؤيدٌ حالمٌ أراد أن يصدّق التغيير، وملتزمٌ الصمت، وهذا الأخير ارتدى واحداً من ثوبين: الخائف من النتائج والسلطة التي ستتسيّد لاحقاً، والآخر المستمرّ في غرفه العاجيّة بعيداً عما يضج به العالم، اعتقاداً أنّ الفن شأن معزول لا ينبغي له التورط بالسياسة. ولنتجاوز عمّن اختاروا المشاركة سلباً أو إيجاباً، ولا ملامة، في حينها على من صدّق واعتقد أنّ التغيير لن يقترن بالتخريب، وأنّ العصابات المتطرّفة التي كانت تتأهب للقفز على المنصّات ارتدت وجوهاً أخرى غير وجهها الحقيقي، وللأسف فإن بعض من صدّقوا غاب عنهم أنّ ثمة من يخطط لهذا كله ويديره لإنجاح حساباته الخاصة وتدمير استقرار المنطقة. أما المثقفون الصامتون أبداً، الذين يختارون الدَّعَة ويركنون إلى البعد عن أي نقاش مهما صغُر، وينأون بأنفسهم ومنجزهم فهم الذين لا ثقة بهم ولا في منجزهم، طالما أنهم رأوا في الابتعاد عن عن المواقف الضرورية غنيمة، فإن الابتعاد عنهم مغنمٌ أيضاً. [email protected]