2018-05-14
هل تحدد قضايا الرأي العام مستوى الوعي الحقيقي لدى أي مجتمع؟ في الحقيقة هذا ما يفترضه كُثُر وهذا أيضاً ما يبدو أننا من خلاله نستطيع أن نجد مقياساً أولياً عن مدى إدراك ووعي أي مجتمع من المجتمعات في الوقت الراهن، ولكن في الوقت ذاته إلى أي مدى نستطيع أن نقيس فعلياً واقعية هذا التفاعل الذي قدم رأياً عاماً معيناً، ليس بالأرقام التي يسهل إحصاؤها .. بل بقياس تفاعل جميع فئات المجتمع العام لتكوين ذلك الرأي العام المفترض، وفي عالم كل ما فيه يجنح نحو الافتراضية، هل نستطيع أن نطلق كل ما يمكن التفاعل معه عبر قنوات التواصل الاجتماعي الافتراضية، رأياً عاماً فعلياً أيضاً؟ هل يخبرنا بمدى وعي من هم حولنا؟ كيف يفكرون؟ وكيف تتطور قدراتهم التحليلية والاستنتاجية بين قضية رأي عام وأخرى؟
كثيراً ما نرى، أنه فجأة وعلى مدى أيام متواصلة في المواقع الافتراضية التواصلية قضية عامة يجري تناولها بكثافة، بحيث تكون أقل مدة للتفاعل من يومين إلى ثلاثة وأقصاها أسبوع، وما تلاحظه وأنت في مكانك المراقب أن هناك أمراً ما يدفعك دفعاً للمشاركة في هذه القضية، حيث كل شخص يدلي بدلوه، وتشعر أيضاً في مواضع أخرى بأن الجميع على تنوعهم يشارك في مساحة طرح الرأي هذه، لكن بمجرد أن تنسحب من مواقع التواصل هذه لتعود إلى الحياة اليومية على الأرض حتى يفاجئك أن كثراً ممن تطرح أمامهم الأمر على سبيل تبادل الآراء لا يعرفون عن الموضوع شيئاً يذكر، ما يعني أن أحد شروط تكوين الرأي العام ودرجته هنا حول مشاركة جميع فئات المجتمع تسقط، وتجعل تقييمنا لوعي المجتمع من نوعية قضاياه التي تجعله المواقع الافتراضية غالباً مسطحة هو غير واقعي وغير صحيح أيضاً إلى حد كبير.
أمر آخر يجب ألا ننساه هنا وهو أن المجتمعات تنضج بطريقة تراكمية، هناك ذاكرة جمعية تتطور وتتشكل بناء على تفاعلها مع حوادثها الكبرى والأخرى المرتبطة بالشؤون العامة وطرح الرأي، لكن الذاكرة الافتراضية هي ليست تراكمية غالباً، بمعنى أننا أمام تفاعل قد لا يؤدي إلى نتيجة تراكم على المستفاد منه من القضية السابقة، تفاعل عبثي، يعيد من جديد طرح السؤال حول الموضع الفعلي الذي بإمكاننا أن نستند عليه لكي نحدد مدى نضج وعي المجتمع من عداه بناء على قضايا الرأي العام المفترضة التي تشتغل في ساحات افتراضية بدورها.
[email protected]