2018-05-17
أفضال شهر رمضان لا تعد ولا تحصى، الرحمة الإلهيَّة التي تتنزل في هذا الشهر المبارك منشؤها أنه شهر الله ليوزع الغنائم لمن أراد أن يحصد الزاد من الخير والثواب والمغفرة، فإن أبواب القبول أرجى، إذ ترقُّ فيه القلوب، وتستنير النفوس بنور الله وفضله ورحمته، فالصيام رياضة لمجانبة شهوات النفس، ولما لها من أثر كبير في تنوير القلب، والشبع أصل القسوة والغفلة والكسل عن الطاعة، ومع ذلك رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فلا يحصل من بركات الصوم، ولا تظهر عليه آثار التلذذ بمناجاةِ ربه، وتلاوة ذكره، والانكسار بين يديه سبحان وتعالى؛ لأنه يرسل جوارحه في المعاصي، ولم يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة، والخوض فيما لا يعنيه أو يحفظ بطنه عن الحرام والشبه، فيفسد بذلك صومه، ويضيع تعبه، وهو من غلب عليهم الشقاء والخذلان. فالذنوب في الأيام الفضيلة يكون إثمها كبيراً ووزرها عظيماً، في مقابل كثرة الثواب على الأعمال الصالحة في الأيام الفضيلة.
فالمنافع المترتِّبة على هذا الشهر تتجلى في «بناء الذات» من خلال «نقد الذات» الذي هو أعظم درس في شهر رمضان، وهو دأب الصالحين وطريق المتقين، وتسابق الناس لفعل الخير، وترك القبيح، وكذلك المنافع المترتبة على عمليَّة إصلاح النفس، ومجاهدتها في سبيل الله ـ والتي تدعى بالجهاد الأكبر، وإنما ستعمّ خيراتها وبركاتها، ليس على فاعلها فقط، بل من حوله أيضاً.
وأقصر الطرق إلى الله ما كان فيها إدراك وتمعّن؛ فالمسلم الحكيم هو من يسترعي انتباهه كلّ المعاني الخفيَّة، والمقاصد من الشعائر والعبادات، وأهم ما نستلهمه من الدرس في رمضان تربية النفس على علو الهمة، فلنكتشف الصفات والطبائع السيئة والقبيحة الكامنة فينا؛ فقليل من الناس من يمارس النقد الذاتي، فهو اعتراف بالخطأ أمام خالقه، والذي يتجلى من خلال متابعته ومراقبته لأفعاله، فهو يستطيع أن يُقوِّمها ما دام لديه الرغبة الكامنة في تطوير ذاته، وتحسينها من جميع الجوانب، فلا يتغافل عن الإمعان في تصحيح مساره، وتدارك الأوقات الثمينة، فرمضان المتقين لمن ملأ صحيفته عبادة وطاعة وخيراً.
[email protected]