السبت - 08 فبراير 2025
السبت - 08 فبراير 2025

وحش التغيير

«الخوف لا يمنع من الموت لكنه يمنع من الحياة» .. لعل هذه المقولة التي جاءت في رواية «أولاد حارتنا» للكاتب الأديب نجيب محفوظ هي إحدى أشهر المقولات المثيرة للجدل لهذا الأديب العربي الحاصل على جائزة نوبل، والذي منعه الخوف هو أيضاً من أي يصعد الطائرة فيتسلم جائزته مفوضاً ابنته لاستلامها بدلاً عنه. ولعل هذه المقولة أيضاً هي الأدلّ في التعبير مجازاً عن الحالة التي تعتري الفكر الجمعي في مكان ما، ولدى أفراد ما ممن يتحركون بجانب الجدار ويغلقون على أنفسهم في صومعتهم الخاصة رافضين التغيير سواء على مستوى الأفكار أو الأيديولوجيات أو السلوكيات والأفعال نتيجة وقوعهم في يد بعبع الخوف الذي يحركهم كدمى المسرح، فهم يخافون من المجهول ولا يرغبون في عيش تجربة الألم الناتج عن ظروف التحول نحو شيء جديد محاط بالتحديات والغموض. التغيير هو الوحش ذاته الذي يحول دون تطور بعض الأفراد والمؤسسات ممن يلجؤون إلى محاربة أي شخص أو محاولات تلجأ إلى نقل تجربتهم الروتينية إلى مرحلة تواكب التطورات المختلفة، فيعدون ما استطاعوا من عدة ليحبطوا عمليات التطوير، غير مدركين أن الركب سيسير بهم أو بدونهم، فإما أن يختاروا التأقلم مع الوضع الجديد وتبني أساليبه أو البقاء في الخلف محشورين في الزاوية التي يرفعون منها شعار «الباب اللي يجيك منه ريح، سده واستريح»، غير مدركين أن هذه الريح ليست هي ذاتها التي لا تشتهيها السفن، بل يتبعها الغيث الذي يثمر الأرض بالزرع والحصاد. لا شيء يبقى على حاله ولا شيء يدوم، هي قوانين الكون وسنته، وحتى تتحقق المعادلة المتوازنة لا بد أن يبدأ التغيير من ذواتنا لنعبر بوابته الكبرى، فنطور ونتطور. وهنا نعود إلى العقل والمنطق في الحكم على مثل هذه الأمور، وندعمها بالنظريات النفسية والاجتماعية كنظرية التغيرات الاجتماعية للفيلسوف كنت، والذي يشير إلى أن أي تغير يحدث داخل المجتمع يجب أن يمر بمجموعة من المراحل والخطوات حتى يجري تحقيقه بشكل صحيح، وحتى يتحول من حالته الأولية، إلى الحالة العمومية، والمقبولة بين كافة الناس. ويكفينا أن نرى مكانتنا بين الأمم وما وصلنا إليه من موقع متقدم، وكان الدافع هو عدم قبول فكرة أن نكون مجرد تابعين للآخرين بل مؤثرين وصناع أمل قادرين على إحداث تغيير إيجابي، انطلاقاً من محيطنا الصغير المتمثل في الأسرة وصولاً إلى المحيط الأكبر وهو «العالم». m. alraeesi@alroeya. com