الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

يخترعون حروبهم

قُلتُها مسبقاً منذ أكثر من سنة، وأقولها في نفسي كل يوم، «الناس حين لا يجدون حرباً يخترعون حروبهم الخاصة»، أصبحت مؤمنة بأن الكثيرين لا يستطيعون العيش من دون حروب، فهم دائماً يبحثون عمّن يخالفهم ويخالف ثقافتهم أو عاداتهم ليسقطوا عليه كل التهم التي من شأنها أن تبدأ طريقاً قد يطول من المد والجزر القبيح. هؤلاء هم الذين لا يتقنون غض البصر عن أي شيء لا يشابههم، حتى لكأنهم أخذوا عهداً على أنفسهم أن يبقوا مستيقظين أمام الشاشات كلها، مترصدين لكل أحد، ويكاد يخيّل إليّ أنهم حين لا يجدون مخالفاً فإنهم يقومون الليل دعاء ورجاء أن يمُنّ الله عليهم بواحد من هؤلاء كي يستطيعوا إكمال حياتهم بسلام. يسعون بكل ما أوتوا من قوة، ومن كلمات، ليصنعوا لهم منبراً في برامج التواصل الاجتماعي جميعها، يتحلّق حولهم أشباههم ومؤيدوهم، ليجدوا من يساندهم، ويكسبوا بذلك شرعية ادعاءاتهم، ففي عرفهم قانون يقول إن الشيء الذي يتفق عليه الأغلبية فهو الصحيح، والأغلبية في عرفهم بالطبع هم المشابهون لهم ولفكرهم وعاداتهم وتقاليدهم فقط. إنهم سادة في مجالهم، مجال اختراع الحروب الصغيرة، سادة في انعدام راحة البال، سادة في الكلام الكثير بلا منطق، وفي مجال التمثيل بأنهم أصلح من خلق الله على الأرض، وبكونهم حماة الفضائل والقوانين، وبعضهم سادة في البذاءة اللفظية، والصراخ مع «سيلفي» مكرر، وبعضهم سادة في التقليد و«مع الخيل يا شقرا». كلما رأيتهم في كل مكان، أتذكر فقط وصايا الشويّخ من أرض مكناس، الوصايا التي يحفظونها ولا يريدون تطبيقها، لأنهم يحبون هذه الحروب التي ستؤخر تقدمهم لا شكّ في الحياة، الوصايا التي تبدأ بهذه القشة «وش عليّ أنا من الناس، ووش على الناس مني»، ويقول فيها «وش عليَّ يا صاحب، من جميع الخلايق، افعل الخير تنجو، واتبع أهل الحقايق، لا تقل يا ابني كلمة، إلا إن كنت صادق»، ليتنا جميعاً نأخذ بوصاياه لننجو، من هذه الحمّى المجتمعية. [email protected]