الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

التقدم إلى الوراء

الأصولية ليست دينية فقط، إنها كل تقليد منغلق على مقولات ومرجعيات سابقة لا يراعى إسقاطها على الواقع أو التاريخ، وغالباً ما تمجد كل الأصوليات ماضياً سابقاً عليها، ويضيع منها المستقبل، فتتقدم للوراء. ولأنها درجات، فقد توجد عند المواطن العادي كما توجد عند غيره، حين يتخيل البعض الماضي دائماً نموذجاً يحتذى فيضيع منه المستقبل. تسأل الطفل عن أحلامه؟ فيقول أن أكون كما كان أبي! فينغلق باب الطموح في وجهك مرة واحدة، وتسأل آخر متديناً عن خططه المستقبلية فيكلمك عن الماضي وكيف يتمنى أن يكون كمن كان أو كما كان فلان، متجاهلاً عصره وزمانه ووقته وواجب الوقت معاً. من هنا كان حديثنا عن «التقدم إلى الوراء» أو ما يسميه الراحل المفكر السوري شكري مصطفى«وعي التخلف»، بهذا الوعي يكون السير للوراء تقدماً، ويكون تمجيد الذاكرة نسقاً ومنهجاً تفكيرياً، يحضر التاريخ منفصلاً عن زمنيته خارج التاريخ وحقيقته، فيحصر التاريخ في مثالية يتصورها ويتخيلها، بينما يعدم الخيال ويبيع الحاضر والمستقبل كافراً بقيم الإبداع والابتكار والتحقق في الزمن الذي سيكون تاريخاً يتركه لأبنائه وأحفاده فيما بعد، عالقاً هو في ميراث الأجداد. الزمن ليس إحساساً بالوقت فقط كما يفهمه أصوليونا ولغويونا، إنه حركة في الزمن، تقدم فيه أو تأخر عنه، هو حركة واتصال، يقيس المنجز البشري كما يقيس مسافات الكون، إنه إنجاز وما أروع أن تكون شرعية إنسان بإنجازه وشرعية نظام بإنجازه، بما يقدمه من حداثة وتحديث لمجتمع، وبما يشارك فيه وبه قدر طاقته في نهوض الآخرين. لكنه عند الأصوليات - الدينية وغير الدينية - وعند كل العاجزين عن التفكير في المستقبل يبدأ وينتهي عند نقطة في الماضي والماوراء، فيكون التقدم عندهم إلى الوراء خارج قوانين الزمن والتاريخ ذاته. من هنا نحتاج أن نؤمن إيماناً صارماً، وتؤمن أجيالنا الجديدة، بحق التفكير وفريضة الإبداع والابتكار، وأن نطلق لعقولنا وأفكارنا آفاق القدرة على التخيل، فالتفكير ميزة الإنسان عن غيره، والتخيل أبرز نعم الله وواحدة من أهم معجزاته لعباده. هكذا قال وأدرك ابن عربي رحمه الله - المعروف بالشيخ الرئيس - حين اعتبر قيمة الخيال أعظم نعم الله على عباده وأعظم معجزاته. [email protected]