الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التطرف عدو التسامح

كثيراً ما يباهي المتطرفون بالتعصب وينتقدون من يؤمنون بالتسامح، رغم أنهم لا يتسامحون مع أنفسهم فضلاً عن الآخرين، فكثيراً ما قتلت الجماعات المتطرفة بعضها، وقتلت الجماعة الواحدة من يفكر فقط في الانشقاق عنها، وكانت القاعدة وداعش في العراق تعاقب من تشك فيه بإرساله للقيام بعملية انتحارية! فجأة. بحكم الطبيعة اللاتاريخية للفكر المتطرف وبنيته، يتجاهل يقيناً أن التسامح ضرورة وطبيعة إنسانية، فالإنسان مدني واجتماعي بطبيعته، قالها أرسطو وقالها ابن تيمية وابن خلدون رحمهما الله، ويقولها كل عاقل، يرى واقعه ولا يصوغ واقعاً متخيلاً لديه فقط. كنا منذ نعومة أظفارنا نتصور أن خلافة العباسيين في بلاد العراق وفارس، قد جمعت الناس ونشرت ديناً أو طائفة بعينها، فإذا التاريخ والواقع معاً يحدثاننا عن عشرات الفرق والطوائف عكس مذهب هذه الخلافة وعكس دينها، فلا يزال في العراق، مثلاً لا حصراً، الصابئة المندائية من يدينون بدين نبي الله يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان) ولا يزال هناك الأيزيديون وهي ديانة تعود لأربعة آلاف سنة على الأقل، وحدث ولا حرج عن طوائف غير السنة أو الشيعة ومرفوضة من كليهما، وعرقيات لا تزال تحتفظ بألوانها وثقافاتها. هكذا يبقى قانون الاختلاف والتنوع حاضراً من التاريخ للواقع، والانقلاب عليه أو تصور لحظات سابقة نجحت في إلغاء هذا التنوع والتوحد في سلطة دين واحد واهم ولا شك، فأي جهل لمن ظن أنه يمكن أن يجمع الناس في عباءة جماعته وتحت لواء أميره أو مرشده أو خلافته. إن إنكار سنة الاختلاف في الكون وكراهيتها جهل بعظمة الخلق وتحدٍّ لقدرة الله تعالى الذي لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولكن من توحيد الربوبية، رب العالمين، رب الناس أجمعين. لكن لا يعرف الأصوليون والمتطرفون حقاً للاختلاف ولا تراثاً من آدابه في ديننا وثقافتنا، وأذكر أنه قبل سنوات صدر كتاب صغير للمدعو أبو بكر ناجي، وهو نفسه مؤلف كتاب إدارة التوحش سنة 2009 أيضا بعنوان «الخونة» ولم يكن هؤلاء عنده إلا الجماعات الدينية والأصولية الأخرى التي تخالف معتقده، بل وكتّاباً إسلاميين لم يكونوا على مشربه!