الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التطرف وخلط المفاهيم

يعمد المتطرفون دائماً لخلط المفاهيم والمجالات، رغم أن أول ضبط للمعرفة هو الفصل بين المجالات، فحين نتكلم في الطب لا نتكلم في الهندسة، وحين نتكلم في التاريخ لا نتكلم في الجغرافيا وهكذا. ولكن يكون الخلط سهلاً ويسيراً جداً حين يتعلق الموضوع بما هو إيمان أو بما هو معنوي وروحي وعاطفي، وأيضاً بما هو هوياتي يخص الأنا والذات وحضور الهوية وانتفاخها ضد آخريها. حين تجادل أحدهم مثلاً عن التقدم الحضاري وضرورة العلم والتطوير والتخطيط، قد يجيبك بما يعتقده ويذكره من فضل العرب على العالم حين ترجم الأوروبيون في عصر النهضة علومهم أو ما ترجموه من العلوم اليونانية قبلهم، رغم أنك تكلمه عن حاضر ومستقبل ومن منطلق تحفيزي للعمل والبناء والتطور وليس من منطلق فضل من على من تاريخياً؟ خصوصاً أن العلم ليس له وطن، وكل حضارة أنجزت فيه بما استطاعت وقدمت لمن أتى بعدها، ففضل اليونان على العالم لا يمكن إنكاره، كما انبهر مؤرخ ومفكر مسلم كالبيروني بالهند وحكمتها كل انبهار، وانبهر المسلمون بتراث وحضارة الفرس كثيراً، وهذا حاضر في كتب تاريخهم من ابن كثير للطبري لأبي الفدا واليعقوبي والمسعودي حتى ابن خلدون وغيرهم. وحين تخاطب متطرفاً عن الأخلاقيات المسؤولة - بتعبيرات ماكس فيبر - أي تلك التي تستدعي الحساب والمكافأة والعقاب، وتحترم القوانين، تجده ينحو وينحرف بالمسألة نحو الإيماني والجواني، والروحي، فما دام مسلماً وقلبه كبياض الثلج فلا مشكلة، أو ما دام يؤدي العبادات ويحسن الإيمان فلا جريرة بعد ذلك! الخلط بين مفهوم سياسي كالقانون والإجراء واللائحة وبين هذه الأعمال القلبية والنياتية كثير مشاهد كل حين، كما هو الخلط بين حقوق الآخرين وحق الذات، أو حقنا وحقوق الآخرين، وحق فخرنا واعتزازنا بحضارتنا الماضية واعتزاز الآخرين بماضيهم وحاضرهم. يعمد التطرف والمتطرفون لخلط ودمج واختزال كل شيء فيما يتصوره، لا يرى الواقع، كما لا يرى المسألة ولكن يريد فقط أن يرسل رسالته وهدفه، أن يقنع مستمعه بما يراه بشكل غير مباشر، من هنا فكل مشاكلنا مرهونة بعودة الخلافة وكل أزماتنا ستحل متى تحقق ما يقول.