الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التدين الهش والانتقاد

بينما يكون الدين تلقياً وحفظاً من الله وأولي العلم والناس، يكون فقه التدين اكتمالاً ضرورياً، كيلا ينحرف التدين عن استقامته، ويخلف التفريط في جانب تفريطاً في جانب آخر، وكيلا يحيف فيه حق على حق، فلكل حق، ومن الدين والعقل إعطاء كل ذي حق حقه، والتدين ككل هو «نور على نور» فسرها أبو حامد الغزالي رحمه الله بنور النقل على نور العقل، وفسرها ابن القيم بنور الوحي على نور الفطرة، فكل ما يخالف العقل وكل ما يخالف الفطرة ليس من صحيح التدين. الدين هو الأصل المقدس وهو الثابت، أما التدين فأنماط واختيارات حيث يختار كل متدين بدين ما نمط تدينه، هناك من يختار التدين بعلم وفقه وهناك من يتبع الآخرين ويترك قياده لهم ليقودوه، وهناك من يركز على الجوانيات وهناك من يركز على العمليات، وهناك من يلح على المحبة وهناك من يلح على العظمة وهناك ما يلح على القيم الحضارية في الدين. الدين لا تاريخي في أصله الأول، أما التدين العام والخاص فتاريخي يتطور ويختلف مع الزمان والمكان، ومن بيئة لبيئة يتبيأ بطبيعتها، ومن منتجات كل عصر يستقي ويتفاعل، بدءاً من استخدامه الميكروفون لاستخدامه الشاشات والتسجيلات لاستخدامه العالم الافتراضي والواتس الآن، وصار تعبد البعض برسالة تأتيك عبر الواتس فجأة. ويكون التدين الصحيح واثقاً رحيماً رحمانياً كما هو الدين، ويكون سقيماً حين يعتقد احتكار الحقيقة، واحتكار تصورات الحق، وحين ينكر سنة الله في كونه من الاختلاف، كارهاً ومنتقماً من آخريه، لا إنسانياً في تعاطيه مع الإنسان ومع حاجاته واختياراته واعتقاداته ومقدساته، حين يكون لا إنسانياً في تعاطيه مع التاريخ والعصر وقوانين كل منهما وطبيعته. ومن أنماط التدين الهش الذي نراه منتشراً عدم الثقة في المعتقد، وعدم الاستعداد لتقبل الانتقاد والاجتهاد، وذلك نظراً لغيبة العقل في فهم الدين نفسه، فحين يبرز مفكر أو فقيه يخالف ما يعتقد يكفره ويستحله، ولا يطيق الاستماع له، أما التدين الواثق فقادر دائماً على الرد لأنه قادر على الفهم! [email protected]