الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لا يراه إلا المرضى

لدينا تخصصات كثيرة في الحياة، طب، هندسة، إدارة، محاماة، تسويق وغيرها الكثير، ولكن هنالك أناس تخصصهم في هذه الدنيا «استخراج عيوب الآخرين». لا يَرَوْن في الناس سوى النصف الفارغ لكؤوسهم. يمتلكون مهارة عالية غير معقولة في استخراج الأخطاء والعيوب والسلبيات. لم يدرسوا هذا التخصص في اَي معهد أو جامعة، ولكنهم يمتلكون مهاراتها بالفطرة. تجد الواحد منهم وكأنه جهاز ماسح ضوئي متقدم جداً وسابق لعصره، فلا يمر أمامه اَي شخص إلا وقد تم فحصه من رأسه حتى أخمص قدميه بحساسية فائقة الدقة، ومن ثم يلوك لسانه عيوب ضحيته في غيابه بسلاسة منقطعة النظير. الوجه المضيء للقمر يستفزهم، لديهم مرونة عجيبة في لوي الرقاب لرؤية الجانب المظلم للقمر. عندما يبدؤون الحديث عن عيوب الناس لهم أساليب شتى في تقديمها ودسها في مجرى الحديث، أحياناً يقولونها ونبرات الحزن تقطر من أصواتهم وكأنهم متعاطفون أمام تلك العيوب، ثقوا تماماً أحبتي أنهم يفعلونها وهم مستمتعون ومنتشون فرحاً، حتى لو استطاعوا أن يكتموا لن يستطيعوا، وكأنها طاقة متضخمة لا بد أن تخرج من صدورهم ليرتاحوا بعدها، طبعهم يغلب تطبعهم. بعيداً عن التعميم، إن أردتم الضحك، فلا داعي لحضور مسرحية فكاهية أو مسلسل ساخر، أنصحكم بأن تحضروا مجلساً نسائياً في أي وطن عربي، ما عليكم سوى أن تبقوا صامتين وتستمعوا لأحاديث النساء، وحتماً ستميزونهن جيداً، لا أستبعد وجودهم في مجالس الرجال أيضاً، ما يضحك هو أنواع العيوب التي تستخرج، لأن بعضنا لو قضى دهراً في محاولة استخراجها، فعبثاً سيحاول. يمكنني مشاركتكم بعضاً من الأحاديث النسائية التي تسللت إلى أذني رغماً عني. كانت هنالك سيدة تضحك مع المجموعة، وعندما قامت عن الطاولة ومشت، تهامست سيدتان بجواري فقالت إحداهن «شفتِ كيف أنفها معوج لليسار» فردت الأخرى «يا لطيف هو كعب حذائها المشكلة ولا هي بتعرج في المشي؟»، وفِي مناسبة أخرى، تقول فلانة لصاحبتها «تلك السيدة إحدى عينيها فيها حول»، وترد صاحبتها «مسكينة ليس حولاً بل إن إحدى عينيها أصغر من الأخرى ومشدودة أكثر إلى أعلى وترمش لا إرادياً». يقول المثل الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، يمكننا الآن وضع «عيوب الآخرين» بجانب «تاج الصحة»، كلاهما لا يراه إلا المرضى، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين آمين. [email protected]