السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تدفق المعلومات من الحكومات إلى المواطنين

اختنقت اقتصادات دول مجلس التعاون أو تكاد، وهو أمر طبيعي مع الانهيار الذي شهدته أسعار النفط منذ منتصف 2014، فبعد أن كان سعر البرميل فوق 100 دولار تراجع السعر حتى وصل إلى دون 30 دولارا خلال 2015 وبقي فترة طويلة من هذا العام دون هذا المتوسط أو يدور في فلكه. وهذا المعدل السعري الذي من الطبيعي أن يؤثر على معدل النمو الاقتصادي في الاقتصاد العالم، شكل تأثيرا مزدوجا للدول المنتجة وتحديدا الدول التي تعتمد ميزانياتها بدرجة كبيرة على العائدات النفطية، وبدرجة أخص دول مجلس التعاون الخليجي، التي في معظمها – مع بعض الاستثناءات – لم تخرج من مأزق النفط في توفير احتياجاتها التنموية حتى الآن. ففي هذه الدول كان التأثير مزدوجا، من جهة أثر على النمو الاقتصادي، خاصة أن معظم قطاعاتها المحفزة للنمو الاقتصادي تعتمد على الإنفاق الحكومي الذي تقلص مع تراجع إيرادات النفط، ومن جهة ثانية تزايد العجز في ميزانياتها بشكل بات يؤثر ليس على الإنفاق الاستثماري الاختياري بل على الإنفاق الرأسمالي في بعض الدول. ولأن الوقت كان ضيقا مع التزامات أخرى خارج نطاق الإنفاق الاستثماري أو الرأسمالي فرضتها ظروف المنطقة، وجدت بعض دول الخليج نفسها أمام عجز يتفاقم في ميزانيتها وارتفاع في ديونها أمام الناتج المحلي، وليس أمامها إلا مزيد من الاقتراض ورفع الدين العام إلى معدلات عالية أو البحث عن إيرادات آنية تساعد في إدارة الأزمة المالية. ولا شك أن الدول الرشيدة تلجأ لذلك في إطار إدارة أزماتها، فالمعيار للنجاح الحقيقي ليس تجنب الأزمات فقد تكون الأسباب خارجية لا تملك الدولة طرقا لتفاديها ولا خيارا لمعالجتها قبل وقوعها، بل في إدارة الأزمة وتفادي أكبر قدر من تأثيراتها والندوب التي تتركها بعد حدوثها. بعض دول الخليج وجدت نفسها أمام الخيار الأصعب، وهو المعالجة الفورية بتوفير مصادر دخل مستحدثة لتوفير النقد وسد الالتزامات الملحة، وهو كما ذكر أعلاه خيار مقبول ضمن إدارة الأزمة. غير أن الاستعداد الثقافي (الثقافة الاجتماعية) لدى المجتمع، واعتماده المستدام على الدولة، سيشكل ضغطا أو مانعا لاستخدام هذا الخيار بشكل سلس من الحكومة إلى المواطنين، فالمواطن الذي عاش طوال عمره ينظر للدولة كموفر للمال والوظيفة والسكن والتعليم، لن يكون قبلوه بحدوث تغيرات هيكلية في هذا البناء سهلا ولا تكون استجابته موازية أو مماثلة لمواطن في دولة أوروبية أو شرق آسيوية مثلا في لو أن دولته لجأت لهذا الخيار. من هنا، وبرغم منطقية الإجراء الذي لجأت أو ستلجأ له بعض دول مجلس التعاون الخليجي في ظل الظروف غير المواتية، فإن دول المجلس تحتاج بدرجة أعلى للشفافية في أوضاعها المالية بكل أركانها من جهة حجم الالتزامات ومن جهة حجم الانخفاض الذي حدث في ميزانياتها، وكذلك حجم الإيرادات التي ستوفرها هذه الحلول للخزانة العامة. فإذا أرادت الدول أن تكون حلولها التي مست دخول مواطنيها مقبولة ومستساغة لدى المواطنين، فإن عليها أن تكون أكثر إفصاحا معهم وأن تشاركهم في المعلومات التي على أساسها ركنت لهذا الخيار. المواطن الخليجي في المملكة العربية السعودية أو أيا من دول مجلس التعاون الخليجي، يستقر ضميره على أنه يعيش في دول هاجسها حفظ أمنه وتحسين معيشته وتنمية مكانه، وهو يرى بعينه فروقات المعيشة والأمن والاستقرار في عدد من الدول في المنطقة، فخيارات أي مواطن خليجي (مستقر عقليا) ثابتة ومتأصلة في ضميره وعقله. غير أن المتغيرات الجديدة التي أحدثت تغيرا في دخله أو معدل استهلاكه (لجهة استحداث ضرائب مثلا)، تتطلب منطقيا أن يتغير معدل تدفق المعلومات من الحكومة إلى المواطن، حتى يشاركها في معالجة أزمتها المالية ولديه من المعلومات ما يكفي لأن يكون مقتنعا بأهمية هذا الحل على المدى الطويل وبهدف الاستدامة التنموية للدولة والمواطن. أعتقد أن الحاجة باتت ضرورية لمزيد من كمية ونوعية تدفق المعلومات من الحكومات إلى المواطنين في دول الخليج، تحديد فيما يتعلق بشكل الضرائب المستقبلية وتعديل أسعار بعض الخدمات وإلغاء بعض البدلات أو العلاوات في الرواتب الشهرية، كما أعلنت المملكة العربية السعودية قبل فترة. تدفق هذه المعلومات غير أنها تحقق حدود الإفصاح بين الطرفين، فإنها ستجعل المواطن يشارك في معالجة الأزمة بحس عال (وطيب خاطر) من جانب، ومن جانب ستكون لبنة إضافية في زيادة الموثوقية التي تشكلت بين شعوب المنطقة وحكامها على مدى العقود الماضية التي قامت فيها هذه الدولة، وكان هاجس حكوماتها تنمية الإنسان والأرض وإبعاده ما استطاعت عن النزاعات التي باتت تتزايد من حولنا. أدام الله أمن دول مجلس التعاون الخليجي ومتعها الله بدوام الاستقرار السياسي والاقتصادي.