الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

زمن العزل

أفكار تشبّ، وأخرى تختمر على نار مشتعلة لهمّ واحد يلفّ العالم من أدناه إلى أقصاه، فهل العالم يلعب على الأرض لعبة الجيران، تلك اللعبة التي كنا نلعبها صغاراً، فنبني بيوتاً نقسمها إلى حجرات نفصلها عن بعضها بجدران كي لا تخترق، ونعلي رصف الأحجار عازلين ما بين الغرف، وكأننا أدركنا بعقولنا البكر أنه الحذر الواجب من المحرمات. الجدار العازل في فلسطين بين الصهاينة والفلسطينيين في أرضهم المسلوبة عنوة لم يمنعهم من ارتقائه إلى الضفة الأخرى، حيث يوجد جيران وأصدقاء وأعداء على الرغم من اقتناصهم، وتمزق جلودهم وهم يصعدون، والجدار بين تونس وليبيا، والجدار الذي يفصل بين أمريكا والمكسيك، وسور برلين، وسور الصين العظيم من قبل، ومنع الهجرات غير الشرعية لاحقاً من قبل ترامب .. هل نستطيع القول إن كل ذلك مستوحى من سد يأجوج ومأجوج بفارق الأزمان والارتفاع والتسطح والمغزى الكامن وراء ذلك؟ الإرهاب العدو الأساس والأشمل، والذي يستشري كالسرطان، وكالوباء أليس هو الباعث لتكريس ذاك العزل، وكأن الحكومات التي فكرت في ذلك المشروع العظيم قد غفلت أن المنع لا يكتم صوت الإرهاب، ولا يعزل الناس النظيفين عن التلوث القادم من وراء تلك السدود، فهل نسوا أن للبحر طرقات ومسارب وجاريات، وقراصنة؟ وهل نسوا أن الإرهاب ينتقل في بطن الحيتان؟ وهل نسوا أن الإرهاب يعشش في النفوس التي أصابها الصدأ؟ وأنه ينمو فيها كما تنمو الطحالب فوق المياه الراكدة. فهل إن بنوا الجدران وعزلوا البشر عن الامتزاج الطبيعي الحي، ووقفوا في وجه الهجرات يستطيعوا أن يغطوا الشمس بالغربال، ويلقوا بالحقيقة في غياهب المجهول؟ في لعبة الشطرنج تقسم الأرض إلى مساحات بيض وسود، وقد يموت الملك، وقد يموت الفيل، وتباد البيادق، وتهدم القلعة، وتختلط الأمور، لكن الحصان يظل يشرئب بعنقه ويصهل. منابع النور، نفوس البشر بحاجة إلى الامتلاء فاملؤوها، حتى يكون لصهيلها ملمس الحرير فيما تترك من الأثر، وثقوا حينذاك أن البوم سينسحب إلى الخرائب ليطمر رأسه في أرتال العفن. [email protected]