السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

بين مستعرض وأديب

ضيوف رمضان كثرٌ من أهل وصحب، وبرامج ومسلسلات، وفنانين وممثلين يطغى حضورهم في الشهر الفضيل في لهاث بين الأقنية لاستعباد الساحات والجمهور الذي يفضل في هذا الظرف الركون إلى بيته، وعائلته، بينما تندر، أو تغيب استضافة الأدباء، والكتاب، وإن جاءت فبأسلوب مختلف، إذ تحولت العين إلى مغرفة للفكر، لا الكتابُ ولا الكاتبُ، ولا الأديب، على الرغم من سعي بعض الجهات الواعية خلال بقية السنة إلى إحياء ذاك المدفون من قبره لما هناك من الإنذارات التي تشير لفناء الإنسان حين يُجهد في تقديمه مادة استهلاكية تهبّ مع السوق ومنتجاتها السلعية، لتخفت الروح من جسده وما ينتظر له من الشائعات الواهبة للحياة. ويصبح التندر بالأرقام الخيالية التي تعطى للمستضاف في تلك البرامج الرمضانية مسيطراً على الأحاديث المفترضة ليغدو تساؤلاً ملحاً، واستنكاراً في الوقت نفسه لدى العقلاء، فالأجر الذي تجاوز حد الإدهاش يعطى لفنانة تباري مثيلاتها في الصراخ، أما الشتائم البذيئة التي تنبه المتابع أكثر حين يحاول المخرج إخفاءها بطنين موسيقي مباغت فحدّث بلا حرج عما تثيره، والعائلة مجتمعة من الاستفزاز في الأعصاب، وما تحمله من خطر تعودت الأذن عليه لتمارس سلوكاً يكرس ليكون طبعاً مألوفاً. مفهوم الفن الذي يحرّف ليصبح استعراضات أشبه بما يجري في سوق المزايدة لا يمت في أغلبه إلى الفنون الراقية التي نقدر تأثيرها في تنشئة الفرد، والارتقاء بالمجتمعات، وهي نفسها التي تقزم دور الأديب، والكاتب الملتزم بقضايا أمته الفكرية والمصيرية، يضاف إليها استخفاف واضح من الجهات التي تستضيفه في برامجها حين تعرض عليه مبالغ أحرى بها أن تخجل وهي تقدمها مكافأة لحضوره، أو تمتنع خصوصاً حين تقارن ذلك بما يقدم لمن تخفق بهم المنابر من فنانين لا يحسنون سوى القفز كالقرود، أو الصراخ كطرزانات اكتشفت أصواتها البشرية في الغابات بين الوحوش. النظرة القاصرة لما يحمل صاحب الفكر من رسائل سامية كلفته سنوات لا تتوقف من القراءة، والاطلاع، والتعلم، والبحث الدؤوب هي السبب الأول في تقهقر مجتمعاتنا العربية، وتحويلها إلى مجتمعات فارغة تستقبل ما هب ودبّ. [email protected]