الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

النفخ في قربة مخرومة

كنت في رحلة سياحية مع مجموعة سياح أجانب، وكان سائق الباص رجل خمسيني ودود يحب الحياة ويبتسم ويطلق الضحكات معنا، ولكن في كل مرة نتوقف في استراحة يفتح مقدمة الباص ويغوص برأسه ويتأفف محاولاً إصلاح شيء ما في الباص، ولكن من دون جدوى فيعود متضايقاً. كان يكرر فعلته هذه كلما توقفنا، حتى اقترب منه أحد السياح الأوروبيين مستفسراً عما يجري، فأشار إليه سائق الباص على سلك ما بين كومة أسلاك شائكة قائلاً «هذا السلك يصيبني بالجنون في كل مرة أصلحه فيعطب» رد عليه السائح بكل بساطة «ولماذا تتعب نفسك .. فقط استبدله!» والعجيب أننا مررنا بورشة سيارات في الطريق، فاشترى السائح السلك واستبدل القديم حتى أدى وظيفته على أتم وجه، فقال لنا سائق الباص شاكراً «كنت أحاول إصلاحه لأشهر عدة ولَم يخطر على بالي أنه يجب أن أتوقف وأستبدله». انتهت هذه القصة التي عشتها، ولكن لم تنته القصص والناس الذين يمرون في حياتي وأنا أراهم ينفخون في قربة مخرومة. إن هذا المثل الشعبي يضرب في حالة عمل شيء مراراً وتكراراً من دون جدوى، فمهما نفخت في قربة مخرومة لن تمتلئ بالهواء. تأكدوا أعزائي أن كل منّا لديه قربة مخرومة ونحن جميعاً ننفخ وننفخ ونعلم جيداً أنها لن تمتلئ بالهواء، أوجه القربة المخرومة كثيرة، فقد تكون عادة تعودنا أن نفعلها وننتظر منها الكثير، ولكن لا أمل، أو تجارة نصبر عليها ثم لا تدرّ علينا منفعة، أو موظف يعطي لشركته والشركة لا تقدره ولا ترقيه، القربة قد تكون أشخاصاً من حولنا نحاول تغييرهم أو ننتظر مع الزمن أن يتغيروا ونستمر بالنفخ حتى نصل إلى مرحلة «لقد أسمعت إذ ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي»، والسؤال إلى متى؟ كم من الوقت خسرنا وكم من الجهد بذلنا وكم طاقة نفسية استثمرناها في قربنا المخرومة. أحبتي من الصعب أن يتخلى الإنسان عما يمسك به بيديه، وصعب أن يفقد الأمل فيمن يحب، ولكن لنتذكر أن القربة المخرومة لا تؤذي ولا تبلل إلا صاحبها، وربما جاء الوقت كي نتوقف عن النفخ ونقرر «هل من أمل في ترقيع الخرم؟» «هل نستطيع تغيير القربة؟» وماذا لو كانت القربة المخرومة أناساً يهمونا «هل يمكن استبدالهم لو كانوا أصدقاء؟» «لو كانوا أقرباء هل يمكن أن نتقبلهم كما هم؟» أنتم من سيجيب عن هذه الأسئلة، وأمنياتي للجميع بقِرب فاخرة غير مخرومة تعطينا كما نعطيها. [email protected]