السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

من الجذور وليس الأوراق

لطالما استهوتني صناعة الجبنة، ولطالما كانت «جبنة البارميزان» في القمة، حتى كانت لي فرصة أن أزور مصنعاً إيطالياً وأغوص في تفاصيل صناعتها. كان المصنع يستقبل الحليب من المزرعة ثم يخثرها بطريقة معينة وبأوزان دقيقة حتى تتكون عجلة جبنة البارميزان الكبيرة ثم ترتاح في الرفوف كي تنضج مدة سنة على الأقل. صاحب المصنع اختار إحدى العجلات الناضجة ليفتحها ويذيقنا طعم الجبنة الرائع والذي يأخذكم إلى عالم آخر. شرح لنا أن مصنعه ومثل أي مصنع يخضع للرقابة وهيئة المواصفات والمقاييس الأوروبية التي تأتي وتختار إحدى العجلات بصورة عشوائية لفحصها، وإذا وجدوا عجلة الجبنة بها فقاقيع ومتجزئة ومفتتة فإنهم لن يعطوهم شهادة الجودة، ولن يتم بيعها ويتورط المصنع بعد ذلك. سألَنا صاحب المصنع «ماذا برأيكم نتصرف حيال هذه المشكلة؟» فكانت إجاباتنا نحن السائحون «تحقق مع موظفي المصنع وتطرد المسؤول» أو «تعيد النظر في أوزان الأنفوحة» أو «تجد حلاً لتسويق العجلات غير الجيدة». رد علينا بكل بساطة نافياً برأسه قائلاً «التحقيق يبدأ من العشب الذي أكلته البقرة نفسها قبل سنة، فإن كانت الجبنة سيئة هذا يعني أن الحليب سيئ وإذا كان الحليب سيئاً يعني أن العشب الذي أكلته غير جيد، وإذا كان العشب غير جيد فهذا يعني أن الماء الذي رويت به كان سيئاً أو أن المبيد الذي رشت به غير صالح وهكذا». ما شرحه لنا صاحب المصنع هو «تحليل السبب الجذري»، ففي الإدارة نعرفها بأنها عملية البحث والتحليل للسبب الذي هو الظرف أو مجموعة مترابطة من الظروف التي تسبب في حدوث خلل ما في العملية، وعندما يتم تصحيح هذا الظرف يمنع بشكل دائم تكرار الخلل في المنتج أو الخدمة التي تم إنتاجها بواسطة العملية. ما أود قوله هو أننا نحتاج هذا المبدأ لنطبقه في حياتنا، وليس فقط في المصانع والشركات، فكم منا كلما شعر بالصداع يعالجه بالمسكن دون التفكر في سبب الصداع نفسه، أو أم تعاقب طفلها في كل مرة يخطئ نفس الخطأ دون التفكر في السبب الذي جعل الطفل يتصرف هكذا، أو عندما ترتفع نسبة البطالة في أي مجتمع نجد سُبل تعويض المتضررين دون التفكر في حل أسباب البطالة. فجميل جداً أن ندرك أنّ حل المشاكل يبدأ من جذورها وليس من أوراقها. أكاديمية ومهندسة معمارية [email protected]