الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أين صفاء النية؟

كنت في بداية اجتماع مع زميل كان ساخطاً ومزمجراً من زميلنا الآخر الذي تأخر فقط دقيقتين عن الموعد، استشاط غضباً وهو ينعت الزميل المتأخر بأنه لا يحترم المواعيد، وأنه ينوي ذلك عمداً لإغاظتنا.. كان على وشك أن ترتجف أطرافه، فهو مصاب بداء السكري، ولم يتناول فطوره ذلك الصباح، واستمر في الملامة المتواصلة ونظريات المؤامرة، وفيما هو في تلك الحالة أقبل علينا زميلنا المتأخر، وهو يحمل عصائر وساندويتشات مخاطباً صديقنا الغاضب «عفواً لتأخري دقيقتين .. لقد عرفت أنك لم تتناول فطورك، فأحضرت معي هذه الشطائر لك في طريقي كي لا تتعب ويضطرب عندك مستوى الإنسولين». سرعان ما بهت صديقنا في محله وشعر بالخجل أمامي. دعوني بالمقابل أحكي لكم هذه القصة من تراثنا العربي الإسلامي، يقال إن طلحة بن عبدالرحمن بن عوف أجود رجال قريش في زمانه فقالت له امرأته يوماً بداعي دس الفتنة «ما رأيت قوماً أشد لؤماً من إخوانك، إذا اغتنيت لزموك وإذا افتقرت تركوك» فقال لها «هذا والله من كرم أخلاقهم يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركونا في حال عجزنا عن القيام بحقهم»، ما أجمله من رد، لقد أول طلحة بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فعلهم جميلاً وظاهر غدرهم وفاء. وأسئلتي التي أطرحها على نفسي وعلى الجميع، ماذا حل بزماننا وأين صفاء النية وسلامة الصدر؟ أين الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية عند التعامل مع الآخرين؟ لماذا نتسارع بالحكم على نيات من حولنا؟ ولماذا وصل «سوء النية» عند بعضنا حد الوسوسة؟ كم هو عجيب، في الوقت الذي يجب أن نلتمس لأخينا «سبعين» عذراً صرنا عاجزين هذه الأيام أن نلتمس لهم عذراً «واحداً» فقط. أحبتي، لو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، احملوا الكلام على أحسن المحامل، لا تظنوا بكلمة خرجت من أصدقائكم شراً، التمسوا الأعذار .. تأنوا ولا تتعجلوا في إصدار الأحكام. فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي، فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه. [email protected]