الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

قانون السردين

قابلت صديقي وكان حزيناً ذات مرة، وأخبرني بأن والده ذا المركز المرموق فقد مكانته الاجتماعية أخيراً، مسكين الأب، لم يستطع تقبل الصدمة أو كبح جماح حزنه فاعتزل الناس وغادر بلدته ونأى بنفسه في قرية سويسرية صغيرة. كان عجبي كبيراً فعند فقد وظيفته المرموقة لم يؤثر في مستوى معيشته تماماً، فهو رجل أعمال من الأساس، وأنعم الله عليه بالمال الوفير، غني وليس بحاجة إلى راتب الوظيفة مهما كانت، لماذا مات هماً ودفن نفسه غماً؟ كنت كثيراً ما أفكر بردة فعل والد صديقي ولم أتوصل إلى إجابة تشفي غليلي إلا أخيراً. فقد كنت أنا هذه المرة في عزلة عن العالم، وبعيداً عن الضوضاء أغوص وأسبح في جزر المالديف، وفيما اقتربت من الشاطئ استمتعت برؤية السمك الملون خصوصاً ما يسبح في مجموعات، ما بين إعجاب وانبهار بتكاتفهم وتعاونهم والروابط التآلفية التي تجمعهم كي يؤمنوا الغذاء والحماية. انتبهت إلى أن إحدى أسماك السردين علقت في ثيابي بالخطأ، حاولت إنقاذها فانجرح فاها، ورغبة مني بأن تكمل حياتها وتعيش فلربما تشفيها الأيام رميتها للبحر وسط مجموعتها، فإذا بأصدقائها يقتربون منها وينهشون في جلدها لأكل العوالق التي على ظهرها، شهقت عجباً، كيف فعلتم هذا بها وكانت قبل قليل معكم وفيكم، كانت محاولة أشبه باليائسة أن أنقذها من نهش أصدقائها أو أتركها لتعيش قدرها، وفيما أنا أتأمل غدر السردين بصديقهم، انفكوا فجأة عنها هرباً تاركين إياها وراءهم، وعجبي لم يدم طويلاً لأن صغير سمك قرش مر بجواري، كيف لا وسمك القرش اشتم رائحة الدم، وإذ به ينقض على السردينة المجروحة ويبتلعها بشراسة، لتكون قد عاشت دورة حياتها على أكمل وجه، وكانت طعاماً ممتازاً للقرش، وأثبتت أن البقاء للأقوى. الآن فهمت، يقول المثل «إذا طاح الجمل كثرت السكاكين عليه»، وربما هذا ما أصاب والد صديقي الغني، أحياناً المال لا يعوض غدر الأصدقاء ولا ينسي شماتة الأعداء. في اللحظة التي يصيب بها المرء فيها ابتلاء تنكشف فيها معادن الناس في لحظة، لا أراكم الله مكروهاً أحبتي، وانتبهوا من الأيام التي يطبق فيها قانون السردين. [email protected] أكاديمية ومهندسة معمارية