الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

شطيرة تونا

أجمل القصص في الحياة هي الواقعية منها، وهنا سأعرض لكم سلسلة من القصص الإنسانية التي عاصرتها شخصياً وبعضها أنقلها عن أصحابها. وسأبدأ اليوم بقصة جديدة، في عام 2005 كنت في بريطانيا في بدايات دراستي العليا. وفي الأسابيع الأولى عانيت ويلات الصدمة الثقافية. أتذكر ذلك اليوم الذي اشتريت فيه شطيرة تونا وفيما أنا عائدة إلى سكن الطلاب نظرت إلى الشطيرة وحننت إلى الكبسة والسمبوسك وذهبت حتى سلة المهملات في الشارع كي أرميها ولا أعرف لماذا غيرت رأيي. كان هنالك صوت داخلي يقول: احفظي النعمة، أخذتها في حقيبتي، وعندما وصلت لباب السكن وجدت جارتي التركية تبكي بحرقة تحت المطر. حاولت تهدئتها ومعرفة ما يؤلمها.. كانت ملابسها مبتلة ودموعها تختلط مع قطرات المطر حتماً لم يكن معها مظلة، واسيتها وربت على كتفها. أخبرتني أنها كلمت والدها «الثري» كي يبعث لها ببعض المال فرفض، فالمصروف الشهري الذي يرسله لها لتكمل دراستها لا يكفيها، وكانت تعمل بدوام جزئي في تنظيف غرف أحد الفنادق، عرضت عليها أن أساعدها بالمال ولكن عزة نفسها الأبية منعتها، أتذكر جيداً أني سمعت صوت معدتها الخاوية، فأخبرتني أنها جائعة وتذكرت شطيرة التونا فأعطيتها إياها وتناولتها المسكينة كالمفجوعة. ومرت الأيام وفرقتنا السنوات. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي وجدتها وتواصلت معها بعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً. وعرفت أنها عادت لبلدها وفي آخر رحلة لي لتركيا تواصلنا وقررنا اللقاء، فأعطتني عنوان الشركة التي تعمل بها. ذهبت إلى هناك وكنت أتساءل ماذا تعمل؟ هل هي سكرتيرة أم موظفة تسويق، انتظرت في البهو فإذا بباب المصعد يفتح وتخرج منه في كامل أناقتها ومعها حراس عن يمينها ويسارها، الكل يهابها، فعرفت أنها مالكة للشركة. وليس هذا فحسب .. فقد ورثت عن أبيها سلسلة ضخمة من الشركات المتخصصة في الجلود والأقمشة في تركيا. تصافحنا ودعتني كي نتناول الغداء في مطعم فاخر على البوسفور. أخبرتني أنها تدين لوالدها الذي علمها الكفاح وأن الحياة ليست سهلة، وعلينا أن نتحلى بالعزيمة والإصرار. وأخبرتني أن ألذ شطيرة تناولتها في حياتها كانت التونا التي أعطيتها إياها ذلك اليوم. ودعتها ورأيتها تتجه إلى سيارتها الفاخرة والحراس حولها، أحدهم يفتح لها الباب وآخر يفتح المظلة فوق رأسها، ويمشي معها كي لا تصيبها قطرات المطر. [email protected]