الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الإرهاب والفكر المتصحر

التنوع المجتمعي ميزة الميزات، ورديف الحضارات والدفع للأمام. فالجزيرة العربية تاريخياً كانت أحد النماذج الأصيلة لهذا التنوع والقبول، فقد عايشت حالة ثرية من التنوع والاعتراف الديني للمختلف كما لم تشهده أي من حضارات دول المنطقة، كان الكل يعترف بالكل وكان الجميع يعيش حالة من التعايش المتناغم والمنسجم، وقد ظلت الحريات الدينية عرفاً لديهم دأب الجميع على توقيره وإفساح المجال له. مثلاً، كانت مكة والكعبة تحديداً، وبحسب الكتب التاريخية التي تتبعت تلك الأوضاع الدينية حتى قبل ظهور الإسلام، محجاً لجميع أصحاب الديانات الوثنية منها والتوحيدية، دون أن يكون هذا عائقا أو مؤدياً إلى الصراعات. لكن اليوم، وحين يأتي الحديث عن مصادر الإرهاب، يجري ربطها من قبل بعض المنظرين بالتصحر الفكري القادم من فكر الصحراء، وبالتحديد أهالي الجزيرة العربية، والاستدلال بتاريخهم باعتباره إدانة لذلك الإرث بأكمله، على الرغم من أن التعصب والتشدد ليس سمة تطبع المجتمعات القديمة غير المتحضرة، بل كان وافداً من تطبع الحضارات المدنية، وكلما تقدم الإنسان زادت حروبه وتوسعاته. في أوروبا القديمة مورست أشرس الحروب، وأفظعها الدينية وغير الديني، كما مورست حملات الإبادة والتطهير، في حين كانت ذلك الوقت حضارياً تتقدم، فالحروب متلازمة حتمية مع الحضارة، وهي بضاعة التمدن. عند التباحث في أصول التشدد الديني .. من السطحية والخلل أن نركن إلى نظرية تربط الإرهاب والفكر المتعصب بالتصحر، وترد الفكر الإقصائي إلى حالة عروبية بامتياز، فحالة الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وبعده مثال حي على خطأ منطق ذلك التصور، والمتتبع بأمانة علمية لتلك الجذور سيقع على تاريخ ممتد ومعقد ومتشعب للإرهاب والإقصاء يصعب اختزاله بهذا التسطيح. [email protected]