الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

منذ الدرة حتى عهد

توثق الميديا بوسائطها المتعددة كل شيء، الأرشيف الإعلامي العربي يعج هو الآخر بالغث والسمين، لكن ثمة مواد تتجاوز كونها أرشيفاً. يحدث ذلك حين تقفز المادة من خانة الأرشيف لتصبح أيقونة. مشهد الرصاص الإسرائيلي يمطر محمد الدرة في مطلع الألفية لا يمكن أن تطويه صفحات التاريخ أو أن يبقى حبيس الأدراج. ربما تتراكم عليه قصص المحادثات ذهاباً وإياباً وجولات المفاوضات رواحاً وجيئة. لكنه مع أول فرصة يعود ليقتحم واجهة ذاكرتنا الجمعية كأنه يقول أنا هنا، ما زلت موجوداً ولن أرحل! نعم ففي كل مرة يخفت صوت الحق ويوشك أن يدخل في نفق الصمت، تستيقظ أيقونة جديدة باعثة للأمل. وهكذا هو الأمر في مشهد صفعة عهد التميمي للجندي الإسرائيلي وطردها لآخرين في مشهد آخر. القضية بالتأكيد لا يمكن حصرها في مادتين أو مشهدين أو أيقونتين. إنها قضية بقاء أو فناء. قضية أجيالٍ مستيقظة عبر عقود من الزمن دون أن تنسى. تناضل من أجل القضية وتدافع عنها وكأنها وليدة البارحة. يا لعدالة كالشمس لا يحجب ضوءها غربال! ترى ماذا لو لم توثق كاميرا طلال أبورحمة مصور القناة الفرنسية الثانية لحظة اغتيال محمد الدرة عام 2000؟ ماذا لو لم توثق الكاميرا في موقفين آخرين بعد عقد من الزمان شجاعة عهد التميمي ووالدتها ناريمان وابنة عمها نور؟ بالتأكيد أن تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال لا يمكن اختزاله في عدسة. لكن تلكم المشاهد تحديداً تتموضع تلقائياً في برواز شرفٍ وكرامة محفور بماء الذهب. مشاهد بلا مونتاج، وأبطال صغار بلا سيناريو ولا حوار. إنه باختصار شيءٌ من ثأر الدرة، أخذته عهد من على خد جندي الاحتلال على مرأى من العالم ومسمع. [email protected]