الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حسنات المقاطعة مع قطر

الأزمة التي تعيشها قطر حالياً مع الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب، أمر طبيعي لنتاج سلوكيات قطر طيلة عقدين من الزمان، كانت ترى فيها الدوحة أنها سيدة للعالم، بل وذهبت سعياً للترويج لذلك، عبر حملاتها الدعائية وكذلك حملات العلاقات العامة. برأيي أن ردة فعل الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب ليست طبيعية وحسب، وإنما أراها متأخرة، وهذا شيء ربما يحسب لمصلحة الدول المقاطعة، التي تركت المجال أمام حكام قصر الوجبة، للعودة إلى حضنهم العربي والخليجي، حتى يتجنب الشعب القطري الأصيل والشقيق ويلات هذه المقاطعة، ولكن الأمور سارت في اتجاه آخر بكل أسف. النظرة المقاطعة لقطر ليست سوداوية محضة كما يعتقد البعض، وإنما حملت جوانب كثيرة مشرقة ومشرفة، وقلبت وفضحت كثيراً من التصورات الخاطئة لدى عدد من شعوب العالم، بل وصححت كثيراً من المفاهيم التي كان البعض يعتقد بأنها من المسلمات، فيما العكس هو الصحيح. أولى هذه الحسنات بوجهة نظري تمثل في عملية العزل السياسية، التي يعيشها تنظيم الحمدين الفاسد في الدوحة، وهذا أمر ملاحظ للعيان، برغم مكابرة النظام الحاكم هناك، وسعيه لإعطاء صورة توضح أن الأمور تسير في مسارها الطبيعي، وهذا غير صحيح على الإطلاق. فقصر الوجبة الذي كان يعج بالوفود السياسية، التي كانت تتكفل بها شركات العلاقات العامة، لم يعد في وهجه الذي اعتاد العالم على رؤيته، ومن على شاشات الجزيرة نفسها، التي انشغلت كثيراً بأمور الدفاع عن قطر، ومحاولة إقناع العالم بأن ما تتعرض له «حصاراً» وليس مقاطعة، ولكن دون جدوى، فالعالم يعرف تماماً هذا النظام والتنظيم وأفعاله قبل تفعيل هذه المقاطعة. حسنة أخرى أرى أنها لا تقل أهمية عن سابقتها، تمثلت في ملاحظة انحسار الدور القطري لتحريك الجماعات المتطرفة حول العالم، حيث كان المال السياسي القطري يحرك مجموعة من الجماعات المتناقضة طائفياً، من المشرق وحتى المغرب العربي، بل وتعدى ذلك إلى ارتباطه بكيانات وشخصيات إرهابية، وبدا ملاحظاً انحسار كميات القطع العسكرية التي كانت تشتريه قطر، وتوزعه كقطع حلوى على المتقاتلين، بيد أن عملية التوزيع تلك تخضع لمعايير وأطر أخرى مختلفة تماماً عما هو معلن. حتى على صعيد العمليات الإنسانية بات العمل أكثر سلاسة ووضوحاً، بعدما غابت عدد من المؤسسات التي كانت تعمل في هذا الجانب، تحت بند العمل الخيري، ولكن بأهداف وأجندات مختلفة، وبدأنا نلمس تحسن الأوضاع الإنسانية نسبياً، برغم قسوتها وحاجتها إلى المزيد، في عدد من الدول التي كانت تنشط فيها قطر وجمعياتها. الحسنة الأهم التي أراها، تمثلت في كشف القناع الإعلامي عن كثير من الأوجه والتوجهات، ففي حين كانت الجزيرة تشيد بنجاح الحج في فترة مضت، على سبيل المثال لا الحصر، فضحت نفسها عندما عادت في العام الذي يليه لتلفق التهم، بل وذهبت لشراء مساحات في عدد من الصحف ووسائل الإعلام وحتى التواصل الاجتماعي، خارج نطاقها الجغرافي للترويج لما بدأته عبر جزيرتها المؤدلجة، وما وصل به الحال اليوم، معرفة من يقف معك بقلب صادق ومن يقف ضدك، والأهم من ذلك أن الشعوب العربية هي من تلمس ذلك التحول والفرق وليس فقط مسؤولو الدول. اليوم وإن كنا نأسف لما يتعرض له أشقاؤنا وأهلنا في قطر الحبيبة، إلا إننا أكثر سعادة وفرحة لما آل إليه تنظيم الحمدين أخيراً، وما ينتظره من انتكاسة في مقبل الأيام ما لم يتدارك الوضع، فهو من خلق المشكلات وتمادى فيها، وهو من كان يملك الفرصة والخيار لتصحيح مساره، وهو من أضاع هذه الفرصة وفضل الارتماء في أحضان «شريفته» إيران، وظل خادماً لتوجهاتها وسياساتها في المنطقة، ولذلك على القطريين أن يتعايشوا مع وضعهم السياسي والجغرافي الجديد، بدل الصراخ وإضاعة المال، لأن الحل لن يخرج إلا من الرياض وبموافقة ومباركة أبوظبي والمنامة والقاهرة، وكل الشرفاء في العالم، وإن طال الزمان. محلل سياسي [email protected]